غزة | في الوقت الذي تتزاحم فيه عروضات الهدوء و«رُشى شراء الصمت»، ويكثر الحديث عن مقايضة العمل المقاوم بالتهدئة في مختلف الساحات، تقدّم عملية مستوطنة «عيلي»، والتي نفذها الاستشهاديان «الحمساويان»، مهند شحادة وخالد صباح، صورة مغايرة لكلّ تلك الإشاعات والتقديرات. وعلى رغم أن الذراع العسكرية لـ«حماس»، «كتائب القسام»، لم تعلن مسؤوليتها عن العملية بشكل رسمي، فإن بصمات «الكتائب» واضحة في الحدث، ليس لجهة الانتماء السياسي للمنفّذَين فقط، بل أيضاً لناحية التكتيك والأسلوب المطابقَين لعمليات سابقة نفّذتها «القسام»، وأرجأت الإعلان عنها، إلى أن اغتيل منفّذوها، من مثل عملية حوارة التي نفّذها الشهيد عبد الفتاح خروشة، وعملية الغور التي نفّذها الشهيدان «القساميان»، معاذ المصري وحسن قطناني، في شهر رمضان الماضي. وبعيداً عن خصوصية المكان الذي نُفّذت فيه العملية، حيث وقع في منطقة قريبة من جنوب الضفة الغربية المحتلّة، فإن للزمان حكايته أيضاً. إذ إن عملية حاجز حوارة كانت قد تزامنت مع القمّة الأمنية الخماسية في العقبة في نهاية شباط الماضي، والتي أنيطت بها معالجة تمدّد خلايا المقاومة، فيما تزامنت عملية الغور مع الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، وإطلاق رشقات صاروخية من جنوب لبنان وسوريا وقطاع غزة. وأمّا عملية «عيلي»، فتتزامن مع جملة من العروض الإقليمية والدولية، والتي تحاول مقايضة الهدوء الميداني، بالمكتسبات المعيشية لقطاع غزة، الذي تديره حركة «حماس» منذ عام 2007. وتَمثّل آخر تلك العروض في إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سماح دولة الاحتلال بالتنقيب عن الغاز المحاذي لسواحل غزة، وما رافق ذلك من حديث عن حصّة مادّية مجزية للقطاع، يحتاج الوصول إليها بكلّ تأكيد، إلى توفير أجواء من الهدوء الميداني.
وفي هذا السياق، يرى مصطفى الصواف، وهو كاتب ومحلّل سياسي مقرّب من «حماس»، أن عملية «عيلي» هي «تأكيد لاستراتيجية المقاومة ضدّ المحتل، سواءً كانت في القدس أو رام الله أو نابلس أو غزة». ويضيف الصواف، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الرسالة الموجّهة إلى الجميع، هي أن المقاومة تعمل بكلّ السبل على تطوير أدواتها، وأنه لا مجال معها للمقايضة لا بالهدوء ولا بكلّ الإغراءات (...) عملية رام الله تقول لكلّ الحالمين الذين يحاولون احتواء المقاومة، عرباً أو دوليين، إن الاحتلال لا يفهم إلا المقاومة ولغة القوة». وفي الاتجاه نفسه، يلفت المحلّل السياسي، أيمن الرفاتي، إلى أن «دخول كتائب القسام على خطّ العمل في الضفة الغربية المحتلة، بشكل صريح أو غير صريح، لم يعُد سراً»، مضيفاً، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «هناك رسائل سياسية لكلّ عملية، وعملية الأمس تقدّم خريطة طريق للنهج الذي لن تتراجع عنه حركة "حماس" أيّاً كانت الضغوط أو الإغراءات».
عملية «عيلي» هي «تأكيد لاستراتيجية المقاومة ضدّ المحتل، سواءً كانت في القدس أو رام الله أو نابلس أو غزة»


على أن ما لا يقلّ خطورة بالنسبة إلى المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، وفق ما يراه الرفاتي، هو التكتيك والأسلوب؛ إذ يشير إلى أن «القسام يثبت أن لديه القدرة على العمل الدقيق والموجّه، والذي من شأنه أن يقلب المشهد السياسي والأمني، وتوجيه النظر الإسرائيلي إلى مساحة مكانية بعيدة نسبياً عن شمال الضفة الذي يتجهّز فيه لتنفيذ عملية كبرى»، متابعاً أن «تمكّن الكتائب في وقت سابق من نقل العمل المسلّح إلى داخل مدن العمق، كما رأينا في عملية الشهيد معتز الخواجا في شارع ديزنغوف وسط تل أبيب في آذار الماضي، يمثّل إشارة واضحة يمكن التقاط مدى نجاعتها وتأثيرها، بالنظر إلى أن هذا الأسلوب يعادل إشغالاً واستنزافاً كبيرَين لقوات الجيش والمنظومة الأمنية التي باتت تتعاطى أخيراً مع أعداد كبيرة من التهديدات والمخاطر في مختلف مناطق الضفة».
أمّا عن ردود الفعل الإسرائيلية، فيرى الصواف أن «العملية التي أدت إلى مصرع أربعة صهاينة ستقود وفق العقلية الإرهابية للاحتلال، إلى ردود قد تطال غزة والقدس والضفة، أو محاولة اغتيال قيادات في الخارج (...) السيناريوات مفتوحة أمام الاحتلال، وأعتقد أن المقاومة على جاهزية للردّ على أيّ حماقة قد يرتكبها الاحتلال في أيّ مكان يجد فيه فريسته»، خاتماً بالتأكيد أن «المقاومة جاهزة في كلّ الساحات، لكن على قيادة المقاومة في الخارج أن تكون جاهزة، وأن تأخذ أقصى الاحتياطات كي لا تكون فريسة سهلة للاحتلال».