رام الله | تشي عملية الاغتيال التي نفّذتها طائرات للاحتلال ضدّ خلية للمقاومة في جنين مساء الأربعاء، وهي الأولى من نوعها في الضفة الغربية المحتلّة منذ أكثر من 17 عاماً، بالكثير من الدلالات الأمنية والعسكرية، فيما تعكس مأزق جيش الاحتلال الذي فشل في اجتثاث المقاومة في الضفة خلال الشهور الماضية. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي، الذي أقدم على العملية تنفيذاً لقرارات المستوى السياسي، يحاول من خلال ذلك استرداد هيبة المؤسّسة العسكرية وقوة ردعها، والتي تلقّت ضربة قاسية في غضون ساعات، بداية من مخيم جنين الذي شهد تطوّراً نوعياً بتفجير عبوات ناسفة بدبابات العدو وآلياته، وصولاً إلى هجوم مستوطنة «عيلي»، والذي فشلت منظومة الاحتلال الاستخبارية والأمنية في اكتشافه ومنعه أو إحباطه، على الرغم من حالة الاستنفار الكبير المعلَن من قِبلها. وإذا كان الاغتيال بالطائرات يُعدّ إيذاناً بعودة جيش الاحتلال إلى هذه السياسة، إلّا أنه يثبت في الوقت نفسه أن العدو فشل في كلّ الخطط التي انتهجها أخيراً لاجتثاث خلايا المقاومة، وعلى رأسها عمليات الاقتحام والتوغّل والمواجهة المباشرة على الأرض، وأن كمين جنين وهجوم «عيلي» أوجعاه إلى الحدّ الذي دفعه إلى تحوّل من هذا النوع.والظاهر أن عملية الاغتيال التي استهدفت مقاومين من مخيم جنين، اثنان منهم من «كتيبة جنين – سرايا القدس» والثالث من «كتائب شهداء الأقصى - لواء الشهداء»، عقب استهدافهم حاجز الجلمة، لن تكون الأخيرة، بل ستكون باكورة لعمليات مشابهة سينفّذها جيش الاحتلال في الضفة، سواء عبر طائرات مسيّرة أو طائرات حربية من مثل «الأباتشي» التي استخدمها الجيش في المخيّم قبل أيام لإنقاذ جنوده في الميدان. وفي هذا الإطار، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، إثر العملية، «(أنّنا) سننتهج سياسة هجومية وسنبادر إلى الهجوم وسنستخدم جميع الوسائل المتاحة»، في ما يؤشّر إلى قلق الاحتلال من ازدياد الخسائر في صفوفه في حال استمرار التطوّر في قدرات المقاومة في شمال الضفة. وتخشى إسرائيل، تحديداً، من وجود المزيد من العبوات الناسفة التي قد تُستخدم في الشوارع الرئيسة ضدّ مركبات المستوطنين والحافلات، على غرار ما حصل في مجدو.
منذ عام 2006، توقّفت إسرائيل عن استخدام الطائرات في عمليات الاغتيال في الضفة الغربية


وجاءت عملية الاغتيال في ظلّ ارتفاع مطالبات أقطاب اليمين في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، بشنّ هجوم عسكري واسع في شمال الضفة، وهو الأمر الذي ترفضه المؤسّسة العسكرية والأمنية، لاعتقادها بأن هجوماً من هذا النوع، بما في ذلك الدخول الطويل إلى جنين، سيؤدّي إلى تصعيد في ساحات أخرى من مثل غزة وحتى لبنان. ولذا، جاءت العملية، أيضاً، في محاولة لاسترضاء اليمين المتطرّف واليمين الفاشي، على رغم أن قرار الاحتلال تغيير قواعد اللعبة ضدّ المقاومين في جنين، لن يمرّ مرور الكرام، بل ستقابله ردود فعل من المقاومة، وهو ما تدلّ عليه محطّات سابقة من التاريخ، وما تعهّدت به «كتيبة جنين»، وفصائل المقاومة، التي أكدت أن «الردّ قادم، وسيكون بطريقة غير متوقّعة لدى العدو».
ومنذ عام 2006، توقّفت إسرائيل عن استخدام الطائرات في عمليات الاغتيال في الضفة الغربية، حيث شهد مخيم جنين آخر عملية من هذا النوع في آب من ذلك العام، عندما اغتال الاحتلال اثنين من «سرايا القدس»، هما محمد عتيق وأمجد العجمي، داخل منزل في المخيم، بعدما اتّهمهما بتنفيذ العديد من العمليات الفدائية، وبالتحضير لعملية استشهادية في الداخل المحتل. وبحسب مسؤولين عسكريين، تحدّثوا إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فمن غير المستبعد أن تكون هناك هجمات جوّية مماثلة للهجوم الذي وقع الليلة الماضية، في مناطق أخرى من الضفة. واستدرك هؤلاء بأن التركيز في هذه المرحلة سيكون فقط على نابلس وجنين، في ظلّ تنامي الهجمات المسلّحة الآتية منهما، والحاجة إلى خلق حالة ردع بوجههما، سيصبّ في خانتها أيضاً استمرار عمليات الاعتقال باستخدام القوات البرّية. على أن السيناريو المتقدّم قد يتطوّر ويتّسع إلى تنفيذ عمليات قصف مركّزة أكثر قوة وعدداً، وخصوصاً إذا ما استطاع المقاومون تنفيذ هجمات إضافية على غرار «عيلي»، قد تدفع جيش الاحتلال في نهاية المطاف إلى «تجرّع السمّ» بشنّ عملية عسكرية واسعة مستقبلاً.
وتزامنت عملية الاغتيال في جنين مع ارتفاع مستوى التحريض من قِبل المسؤولين الحاليين والسابقين في حكومات الاحتلال، وهو تحريض سيسهم بشكل أو بآخر في توسيع رقعة العدوان. إذ قال عضو «الكنيست» وزعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، إن «جنين قريباً ستكون مصدراً لإطلاق صواريخ القسام تجاه شمال الضفة وغوش دان»، مضيفاً إن «كلّ عاقل يفهم أن التنظيمات الإرهابية في شمال السامرة تعمل على الحصول على قدرة صاروخية هي مسألة وقت فقط، قبل أن تصبح لديها عشرات أو ربّما المئات من صواريخ القسام، تماماً مثلما حدث في قطاع غزة»، مطالباً حكومة الاحتلال بـ«البدء باستهداف قادة «حماس» في القطاع، وتوجيه الضربات للأخير، من أجل القضاء على المقاومة في الضفة».
إلّا أنه، إذا كانت حسابات الاحتلال تفيد بأن الاغتيالات يمكن أن تعيد له قوّة ردعه المتآكلة في الضفة، وتعيد الأمن إلى مستوطنيه، فإن ذلك قد لا يتطابق مع ما يحتويه بيدر المقاومة، التي تبدو مصرّة على عدم التراجع ولو خطوة إلى الوراء. وإذ يدرك العدو ما تَقدّم تماماً، فهو تَحسّب له باستنفار قواته في الضفة وفي جميع المواقع، في انتظار الردّ الذي أكدت فصائل المقاومة أنه قادم بشكل مؤكّد. وفي هذا الإطار، أعلن جيش العدو الدفع بثلاث كتائب من قواته إلى الضفة اعتباراً من صباح الخميس، وسط تحذيرات من استسهال إسرائيل التمادي في الاغتيالات، نظراً إلى ما قد يترتّب عليه من تداعيات. إذ اعتبر المحلّل العسكري في موقع «واللا» العبري، أمير بخبط، أن «استخدام الطائرات الإسرائيلية المسيّرة لفترات زمنية طويلة لن يكون لمصلحة إسرائيل، وسيضرّ بحرية العمل والحركة، وسيؤدّي إلى تزايد مستوى الإرهاب، وارتفاع وتيرة الانتقادات الدولية» لإسرائيل.