القاهرة | بعد توقف المفاوضات المباشرة بشكل كامل، تستعد إثيوبيا لبدء الملء الرابع لسد النهضة، في خطوة تحاول من خلالها فرض الأمر الواقع على دولتَي المصب، مصر والسودان. ويأتي ذلك بالتزامن مع انشغال السودان بالأزمة الداخلية التي أعاقت حتى التنسيق المصري ـــ السوداني، في وقت تلتزم فيه القاهرة، التي باتت المتحدث الوحيد في الملف، الصمت الكامل تجاه ما يحدث.وفي الأسابيع الماضية، عمدت أديس أبابا إلى فتح البوابة الغربية للسد وترك البوابة الشرقية من أجل تصريف حوالي 50 مليون متر مكعب من المياه، ومن ثم بدء التخزين مع موسم الأمطار في الشهرين المقبلين، توازياً مع اكتمال الأعمال الإنشائية للسد بنسبة تزيد عن 90%، بما يسمح بتخزين كميات أكبر. وفي ظل إصرار رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، على أن الملء لن يضرّ بمصر، وتأكيد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في المقابل، أن مصر لن تفرّط بقطرة مياه من حقها، لا يزال التنسيق بين الزعيمين، وترتيب لقاء مشترك لبحث الملف، متعذّراً، في حين يتجنب كل منهما الحديث عن الآخر بشكل مباشر. وفي كلّ الأحوال، لم يتطرق اللقاء العابر بين السيسي وأحمد على هامش قمة «ميثاق التمويل العالمي الجديد» في باريس، أخيراً، والذي تزامن مع إعلان إثيوبيا استعدادها للبدء في الملء الرابع، إلى الملف.
وبينما تكمن خطورة الملء الرابع على مصر في الكمية التي سيتم تخزينها خلال موسم الأمطار الذي قد يكون موسماً غزيراً على غرار السنوات الماضية، لا يبدو قلق القاهرة بالغاً إزاء ذلك، بالنظر إلى استقرار المياه المخزنة في بحيرة السد العالي، والتي يمكن أن تستخدم كميات كبيرة منها لتعويض النقص في حال جاء موسم الأمطار ضعيفاً. أما في حال كانت كميات المياه أقل من المتوقع، فستلجأ القاهرة إلى التحرك دولياً لضمان الحصول على الحصة الكاملة في مياه النيل، والضغط على أديس أبابا من أجل فتح بوابات التخزين. إلا أن ما يشكّل مصدر قلق وتهديد كبير لمصر، هو سلامة السد من الناحية الإنشائية، بخاصّة أن اكتمال التخزين بأكثر من 40 مليار متر مكعب سيكون بمثابة قنبلة موقوتة في حال انهيار بوابات البحيرة بشكل كامل. ومن الجانب الإثيوبي، لا تزال الدراسات الخاصة بالموقع الجغرافي غائبة بشكل كامل، على الرغم من تعهّد أديس أبابا بعدم إلحاق أضرار بمصر والسودان، كما حدث في المرات الثلاث السابقة.
وفي السياق، تشير التقديرات المبدئية، التي جُمعت من خلال الأقمار الصناعية، إلى أن عملية التخزين هذه المرة قد تصل إلى 20 مليار متر مكعب على الأقل، بما يعني أن بحيرة السد ستحوي أكثر من 44 مليار متر مكعب بعد انتهاء موسم الأمطار من أصل 74 مليار هي السعة الإجمالية للبحيرة. كما أظهرت صور التُقطت بالأقمار الصناعية انخفاض مستوى بحيرة السد بنحو 10 أمتار، وتفريغ مياه بنحو 7 مليارات متر مكعب، مع توقعات بقيام إثيوبيا بزيادة ارتفاع الممر الأوسط استعداداً للتخزين الرابع.
وفي حين لا تزال المفاوضات معلّقة، وسط انسحاب الولايات المتحدة وتراجع الاتحاد الأفريقي ومحاولات السيسي استدرار دعم من دول أفريقية للضغط على إثيوبيا، تحافظ مصر على المطالب نفسها؛ وهي اتفاق قانوني ملزم لإثيوبيا من أجل تنظيم عمل بحيرة السد بالشراكة مع دولتي المصب، وتنظيم عملية الملء بشكل مشترك بما يسمح بعدم حدوث أضرار ووجود أسس واضحة خلال السنوات المقبلة، وهو ما ترفضه إثيوبيا وتراه «تدخلاً» في شؤونها. وتدأب الحكومة المصرية، على لسان وزيري الخارجية، سامح شكري، والري هاني سويلم، على سوق مخاوفها، ومقدمتها وضع مصر على قائمة الدول القاحلة التي تعاني من الفقر المائي مع وصول نصيب الفرد فيها إلى نحو نصف حد الفقر المائي، والاعتماد الكامل على نهر النيل في الحصول على المياه بنسبة 98%، بالإضافة إلى المخاوف من الجفاف وخسارة أراض زراعية نتيجة نقص كميات المياه الواردة من نهر النيل. وفيما يغيب، حتى الآن، أي تحرك رسمي تجاه خطوة الملء الرابع التي أعلنت عنها إثيوبيا رسمياً، برغم المخاوف المصرية المتزايدة، يبقى السؤال: هل تمرر إثيوبيا عملية الملء الجديدة على غرار السنوات السابقة، من دون أي خرق؟