لم تكد قوات الاحتلال تبدأ عدوانها الذي استهدف مدينة جنين ومخيمها، منذ فجر أمس، حتى أعلنت اسم العملية الذي يرمز إلى الهدف منها: «البيت والحديقة»؛ إذ يرى العدو أن مدينة جنين ومخيمها هما الحديقة الخلفية لـ«البيت» الذي يمثّله الكيان، والتي يريد إعدادها بما يتناسب مع متطلباته الأمنية. إلا أن الرياح لا تجري دائماً بما تشتهي سفن الاحتلال؛ فبعد مرور أكثر من 16 ساعة على بدء العملية العسكرية، بدأت تخرج الأخبار من داخل المخيم، والتي تحدثت بالمجمل عن معارك طاحنة، بين عشرات الشبان المتسلّحين بأسلحة متواضعة، وأكثر من ألف جندي من قوات الاحتلال، جلّهم من الوحدات الخاصة ووحدات النخبة. ولم تتوقف المعركة عند حدود المخيم، بل تجاوزت ذلك، إذ تمّت مهاجمة قوات الاحتلال في وسط مدينة جنين، وعلى شارع جنين ــــ حيفا.

المتابع لسير العملية حتى الآن، لم يشاهد وجوداً لجنود الاحتلال خارج مركباتهم المدرعة التي يحاولون الاحتماء عبرها من نيران المقاومين وعبواتهم. وفي كل مرة حاولت فيها تلك القوات الترجل من المركبات لاقتحام المنازل، كانت تقع في كمين أُعِدَّ لها مسبقاً. ففي حي الدمج داخل مخيم جنين، وقعت قوة «إيغوز» التابعة للواء «غولاني» في كمين بعد أن تمّت محاصرتها من كل الجهات، وشوهدت وهي تطلق الدخان الأحمر لنقل المصابين، بعد أن استدرجت عناصرها «كتيبة جنين». كما سُجّل كمين آخر خلف خطوط الهجوم، في سوق المدينة خارج المخيم، وتحديداً في منطقة السينما.

المعنويات والفزعات القادمة
كذلك، تتحدث المعلومات الواردة من داخل المخيم، عن وصول عشرات المقاتلين من أرياف جنين، وأيضاً من مدينتَي طولكرم ونابلس. وبحسب مصادر أهلية تحدثت إلى «الأخبار»، فإن هؤلاء يقاتلون الآن بالفعل جنباً إلى جنب وكتفاً إلى كتف، مع رفاقهم المقاتلين في المخيم. وهذا ما أكدته بيانات صادرة عن «كتيبة طولكرم»، ومجموعة «عرين الأسود»، التي دعت أهالي الضفة إلى تصعيد المواجهة في عموم المدن الفلسطينية نصرة لجنين ومخيمها. وفي المقابل، تتحدث بعض الأنباء عن حملة اعتقالات شنّتها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، على مشارف محافظة جنين، طاولت عشرات المقاتلين القادمين من قرى عنزة وجبع ومدينة طوباس، في إشارة عملية وميدانية إلى أن كلّ ما قيل اليوم عن وقف التنسيق الأمني للسلطة مع العدو لا يتعدى حدود البيانات الإعلامية.
كلّ ما قيل عن وقف التنسيق الأمني للسلطة مع العدو لا يتعدى حدود البيانات الإعلامية


ومع ذلك، فقد أثبت الفتية الواثقون بالنصر أن معركتهم الوحيدة هي مع الاحتلال، وأن كل البنادق والرجال مجهّزون لقتال عدوهم، وهذا ما يفسر الالتفاف الشعبي العارم حول مجموعات المقاومة المسلحة في كل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، حيث تحول الآلاف من رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى نقل كل تحركات الاحتلال لعناصر المقاومة، عبر رصدها وتصويرها. ومنذ اللحظة الأولى لبدء الهجوم، عمدت قوات الاحتلال إلى البعث برسائل رمزية من خلال قصف مسجد محمود طوالبة في حي الزهراء، والاستيلاء على منزل زكريا الزبيدي، وكأنها في ثأر مزمن مع جنين. وفي ساعات الظهر، قطع الاحتلال الماء والكهرباء عن المدينة في مؤشر إلى أن العملية ستستمر لفترات طويلة، وأن هدف القطع هذا دفع الحاضنة الشعبية وبالتحديد داخل المخيم إلى الخروج من منازلها، للاستفراد بعناصر المقاومة.
وسواء طالت المعركة أو قصرت، فإن هذه المعركة المندلعة في أزقة جنين وشوارعها وحواريها، ستكون مؤشراً إلى تجذر وتمدد المقاومة في كل الضفة الغربية، التي بدأت تسمع أصوات الطوالبة وأبو جندل تعود بعد ربع قرن على ملحمة جنين الكبرى، في شجاعة شبان، حملوا الذكريات وعياً، وجسّدوها عملاً يؤرق المحتل. وحتى كتابة هذه السطور، لا تزال الحشود العسكرية للاحتلال تتواصل، حيث تشاهَد أرتال من الجرافات الكبيرة المدرعة وعشرات الآليات العسكرية تتوجه عبر معبر سالم غرباً ومعبر الجلمة شمالاً في اتجاه جنين.
بالنتيجة، المعركة بدأت ولم تنتهِ، ليصُحَّ في جنين القول: وحدهم الأموات يشهدون نهاية الحرب، وجنين مليئة بالرجال والبنادق.