جنين | انجلى اليوم الثاني من العدوان الإسرائيلي المستمرّ على مدينة جنين ومخيمها في شمال الضفة الغربية المحتلّة منذ فجر يوم الإثنين، عن تأكيد مقتل جندي إسرائيلي في ميخم جنين، وإصابة آخرين، مقابل ارتفاع عدد الشهداء إلى 12، أي بزيادة 3 شهداء عن اليوم السابق. وبدا واضحاً حرص العدو على أن تكون عمليته العسكرية «نظيفة» بالمعنى العسكري، أي من دون سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين. والواقع أن هذا الحرص انطلق مساره منذ ما بعد معركة «سيف القدس» عام 2021، وجرى تطبيقه في معركتي «وحدة الساحات» و«ثأر الأحرار» في قطاع غزة. وتعتمد استراتيجية «الحرب النظيفة» على الاستهداف الدقيق عبر الأسلحة الذكية، والاستناد إلى المعلومات الاستخباراتية الدقيقة، مع تجنّب الاحتكاك العسكري المباشر على مستوى الجنود، وتنفيذ ضربات قوية ودقيقة في عمق «العدو»، وشلّ حركته، بعيداً عن الإضرار بالمدنيين. ويعمد العدو إلى ما سبق، مدفوعاً بعدة عوامل، أبرزها دروس استخلصها من معركة «سيف القدس»، أهمّها تفادي استثارة الشارع العربي والرأي العام الإقليمي والدولي، كما حصل في «سيف القدس»، والحؤول دون التعرّض لضغوط كبيرة.وخلال اليومين الماضيين، تجنّب جيش الاحتلال عمليات القتل الواسعة والشاملة، حتى في مواجهة المقاومين، في حال كان ممكناً اعتقالهم. كما عمد إلى تهجير بعض المدنيين من المخيم، عبر تحذيرهم من خطورة بقائهم في منازلهم، في أسلوب يشبه الاتصالات التي يجريها «الشاباك» بالمواطنين في غزة، قبل قصف منازلهم. كذلك، استخدم في الساعات الأولى من العملية أسلوباً مشابهاً لما اعتمده في القطاع أخيراً، حيث سعى إلى توجيه ضربة أولى قاسية وسريعة، بما يقلّل من فاعلية الرد العسكري المقابل، ومن ثم الشروع في استهداف بنك الأهداف، ولهذا سقط العدد الأكبر من الشهداء في الغارات الجوية الأولى، وليس خلال الاشتباكات. مع ذلك، يبدو أن العدو فشل في تنفيذ عملية خاطفة، بالتخطيط الذي أراده، لأن المقاومين تمكّنوا من كشف نواياه، وعمدوا إلى إخلاء بعض النقاط، واحتموا في مواقع جديدة وسرّية. وحتى مساء أمس، يمكن القول إن قادة المقاومين، والمحرّكين الأساسيين، كانوا لا يزالون بعيدين عن قبضة العدو، وعن نيرانه.
العدو فشل في تنفيذ عملية خاطفة، بالتخطيط الذي أراده، لأن المقاومين تمكّنوا من كشف نواياه


في المقابل، لا يزال الاحتلال يعمل على أطراف المخيم، ولم يتوغّل إلى وسطه، حيث يُعتقد أن المقاومين يتحصّنون فيه، بحسب زعم العدو. وتسير العملية ببطء شديد، فيما يبدو واضحاً أن قوّات الاحتلال تواجه عوائق مختلفة، منها الكمائن المتنقّلة والسريعة، والتي تعتمد مبدأ الإغارة، ثم الانسحاب سريعاً، بما يؤخّر تقدّم العدو، ويوقع الإصابات، ويقلّل من خسائر المقاومين إلى الحدّ الأدنى. وفي حين كان الحديث خلال نهار أمس عن إمكانية إنهاء العملية في الليل بأقل خسائر ممكنة، تغيّرت الصورة في ساعات المساء الأولى، عندما بدأت الأخبار تتحدّث عن اشتباكات عنيفة يخوضها المقاومون في مخيم جنين، «هي الأعنف على الإطلاق»، بحسب وصف إعلام العدو، الذي أكّد أن «قواته تعرّضت لتفجير عبوات هائلة»، تبيّن لاحقاً مقتل جندي فيها، وإصابة آخرين. لكن على أي حال، ما لم تطرأ تطورات ميدانية كبرى، فإن العملية ستنتهي خلال 48 إلى 72 ساعة، بعد انطلاقها، بحسب المؤشرات الميدانية والسياسية. وفي هذا السياق، قالت القناة الإسرائيلية الرسمية إن «حكومة نتنياهو أبلغت الولايات المتحدة، في رسالة، أن عملية جنين محدودة لمدة 48 ساعة». وفي الاتجاه نفسه، قال مسؤول أمني كبير: «نقترب من نهاية العملية قريباً، وسنواصل دخول جنين ومخيمها بقدر ما نريد حتى في المستقبل القريب».
ويبدو أن العملية العسكرية الإسرائيلية في مخيم جنين، تنقسم إلى 3 مراحل: الأولى، جرت في الساعات الأولى، وهي نُفّذت بواسطة الاستهداف من الجو، اعتماداً على معلومات استخباراتية دقيقة. والمرحلة الثانية، عنوانها دخول قوات العدو إلى أطراف المخيم، والاشتباك مع المقاومين، واعتقال بعضهم واستجوابهم، وكشف مخازن الذخيرة ومصانع العبوات والصواريخ وغير ذلك. وفي هذه المرحلة بالذات، تبدّت الصعوبات أمام الاحتلال، الذي لم ينجح في جرّ المقاومين إلى اشتباكات وكمائن أعدّها لهم لتصفيتهم، كما لم يتمكّن من التوغّل في عمق المخيم، بسبب فعل المقاومين الذين يعيقون تقدّمه. أما المرحلة الثالثة، فهي تعتمد على الاستفادة من المعلومات الاستخباراتية التي نتجت من دخول العدو إلى المخيم، واستجواب أكثر من 100 شاب فيه، وجمع معطيات على مختلف المستويات، وتسييلها لاحقاً في عمليات الاغتيال والاعتقال، والتدمير وتحديد مواقع المخازن والمصانع.
لكن على خطٍّ مواز، جاءت عملية تل أبيب الفدائية المزدوجة (دهس وطعن)، والتي نفّذها الشهيد عبد الوهاب الخلايلة، وأسفرت عن وقوع 7 جرحى إسرائيليين، بينهم 3 إصابات حرجة، لتلفت الانتباه إلى احتمالات مختلفة، قد يجد العدو نفسه أمامها في حال طال أمد عمليته في جنين. وفي هذا السياق، كانت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قد أعلنت تلقّيها عدة إنذارات حول وقوع عمليات وشيكة في المدن الإسرائيلية. وبالفعل، أتت عملية تل أبيب لتثبّت «مخاوف» أجهزة العدو، خصوصاً أن حركة «حماس» أعلنت تبنّيها الهجوم، ما يعني أن قراراً لدى المقاومة اتُّخذ بتنفيذ عمليات من هذا النوع، بالتزامن مع أحداث جنين.