بغداد | أظهرت وثائق حكومية عراقية، تقديم رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوادني، طعناً إلى المحكمة الاتحادية العليا تضمّن 12 مادة أو فقرة في قانون الموازنة الثلاثية، وذلك بحجّة أن عدداً من المواد لم تكن موجودة في مشروع الموازنة الذي صاغته الحكومة وأرسلته إلى البرلمان، وإنّما تمت إضافتها لاحقاً من دون مراعاة الجانب المالي. ودعا السوداني المحكمة إلى إصدار أمر بإيقاف تنفيذ تلك المواد، وأيضاً الحكم بعدم دستوريتها وإبطالها، مع تحميل المدعى عليه كل الرسوم والمصاريف وأتعاب المحاماة، والاحتفاظ بالحق في الطعن في مواد أخرى من قانون الموازنة، وفقاً للوثائق المنشورة. وشمل الطعن المواد والفقرات التالية: 2 و16 و20 و28 و57 و62 و63 و65 و70 و71 و72 و75، والتي اعتبرتها الحكومة مخالِفة للدستور من الناحيتين الشكلية والموضوعية، كما لِما استقرّ عليه القضاء الدستوري في العراق. وجاءت هذه الخطوة بعد أسبوع من حديث السوداني عن أن حكومته ستراجع البنود التي جرى تعديلها، وتدرس جدوى تطبيقها، علماً أن غالبيتها متعلّقة بالوظائف الجديدة والحوافز وتثبيت العقود والأجراء، وهذا ما يثقل من نفقات الدولة ويعظّم نسبة العجز، بحسب ما ذكرت مصادر حكومية لوسائل إعلام محلّية.لكنّ نواباً استغربوا الطعن الذي تَقدّمت به حكومة السوداني، بينما اعترضت عليه أطراف سياسية، معتبرةً أن الحكومة تريد أن «تفتح النار» على نفسها بتظاهرات ساخنة قد تستدعيها خطوتها تلك، خاصة من قِبل شرائح العقود والأجراء اليوميين والمفسوخين من الخدمة. وفي المقابل، يدرج المتحدث باسم الحكومة، باسم العوادي، المواد المطعون فيها ضمن ثلاث خانات: أولاها تفرض على الدولة التزامات مالية غير واردة في الموازنة، وثانيها تُعتبر من نوع التدخّل في عمل السلطة التنفيذية، وثالثتها تمنح صلاحيات تعاقد أو استثمار لمؤسسات ومحافظين خارج الاختصاص أو تتضارب مع رؤية الحكومة في التنفيذ والرقابة. ويلفت العوادي، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الحكومة طالبت المحكمة الاتحادية بإيقاف هذه الفقرات فوراً، قبل البدء بتنفيذها، كما طلبت أمراً ولائياً بذلك»، مستدركاً بأن «الموازنة أُقرّت، وهي سارية المفعول، ولن يتوقف تنفيذ بنودها على هذه الحزمة الأولى من الطعون، وستُطبّق كل البنود باستثناء المطعون فيها».
من جانبه، يشير عضو اللجنة المالية، جمال كوجر، إلى أن «توجه الحكومة إلى المحكمة الاتحادية للطعن في بعض مواد الموازنة يحصل في كل بلدان العالم»، مضيفاً أن «من حق مجلس النواب أن يشرّع ما يراه مناسباً من القوانين، ومن حق السلطات الأخرى سواء كانت تنفيذية أو قضائية الطعن فيها، وهذا ما جرى لـ12 مادة وفقرة تمّ تضمينها من قبل مجلس النواب في قانون الموازنة المالية». ويعتقد كوجر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الطعون الحكومية صحيحة، لأن مجلس النواب تجاوز في بعض الفقرات صلاحياته، وخاصة في المواد التي تمّ الطعن فيها»، متابعاً أنه «لم يكن ثمّة إجماع في اللجنة المالية على تلك الفقرات، لكن تمّ تمريرها بالتصويت بالأغلبية البسيطة». ويلفت إلى أن الحكومة استندت إلى «قضيتين، هما البرنامج الحكومي الذي صوّت عليه مجلس النواب وتحوّل إلى ما يشبه القانون، وكذلك قضية الفصل بين السلطات، ما يعني أن أيّ فقرة فيها تكلفة مالية هي من ضمن صلاحيات الجهاز التنفيذي حصراً»، مرجّحاً أن تكسب الحكومة جميع الطعون، لأنه «للأسف أصبحت وظيفة النائب هي إعطاء الوعود لجماهيره بالتعيينات والوظائف، وهذا ليس من صلاحياته. ولذا، فاللجوء إلى المحكمة الاتحادية هو الطريق السليم أمام الحكومة».
يعزو البعض رفض الأحزاب السياسية للطعن، إلى وجود مصالح لديها راعتها في الموازنة


وفي الاتجاه نفسه، يرى القيادي في «تحالف النصر»، عقيل الرديني، أن «شجب الأحزاب السياسية للطعون، سببه أن لديها مصالح وضعتها في هذه الموازنة، وتحديداً في المواد التي فيها تكلفة مالية»، مضيفاً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «كل الاعتراضات على الطعون هي بسبب وجود منافع، ربما منافع اجتماعية وربما تعيينات وتخصيصات». ويعتبر أن «طعون رئيس الوزراء جاءت بمثابة إحراج لبعض النواب والكتل السياسية أمام جمهورهم السياسي الذي وعدوه بهذه الأمور»، متابعاً أن «خطوة السوداني جاءت لكي لا يخسر ثقة الشارع به، خاصة في مسألة تطبيق منهاجه الوزاري، الذي يخالف رؤية الأحزاب التي تريد فقط خدمة مصالحها من الموازنة».
أما الخبير القانوني، علي التميمي، فيوضح أنه «إذا صدر الأمر الولائي بإيقاف العمل بهذه المواد، فسيتوقّف العمل بها وتطبيقها، إلى حين البتّ في القرار النهائي من قبل المحكمة الاتحادية. لذلك ستكون المواد معلّقة». ويبيّن التميمي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الطعن في 12 مادة ينصبّ على الجانب المالي الذي يخالف مبدأ الفصل ما بين السلطات ويخالف السياسة العامة للدولة ويخالف المادة 62 من الدستور المتعلقة بالمناقلة»، مضيفاً أن «الفصل بالتأكيد سيكون للمحكمة الاتحادية بقبول الطعن أو رفضه»، علماً أن هذا الأخير «جاء وفق المادتين 22 و19 من نظام المحكمة الاتحادية الداخلي الرقم 1 لسنة 2022»، بحسب التميمي.