الخرطوم | لم يكن اجتماع اللجنة الرباعية لـ«إيغاد» الذي عُقد في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، أول من أمس، عادياً، إذ جاء هذه المرّة وسط تداعيات ومتغيّرات عديدة في مسار الحرب على الأرض، حيث تسبّب القتال العنيف، منذ بداية الشهر الجاري، بسقوط أعداد كبيرة من المدنيّين، ما حدا بالأمم المتحدة إلى التحذير من انزلاق السودان إلى أتون «حرب أهلية واسعة النطاق قد تؤدّي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها»، وعجّل تالياً من التحرّك الدولي الساعي إلى إيقاف الحرب، ولا سيما على مستوى دول الجوار الأفريقي. وشارك في الاجتماع المذكور، راعيا «مباحثات جدة»، أي الولايات المتحدة والسعودية، فضلاً عن دبلوماسيين غربيين، فيما لا يُعلم ما إن كان اللقاء سيفتح الباب على مسارات حلّ ملزمة ونافذة. وبينما سُجّل للمرّة الأولى حضور أعضاء من «قوى ائتلاف الحرية والتغيير»، وفي مقابل مقاطعة وفد الجيش لجلسات الاجتماع، فقد التأم الأخير بحضور ممثّلين عن قوات «الدعم السريع». وشدّد البيان الختامي الصادر عن المجتمعين، على استبعاد أيّ حلٍّ عسكري للأزمة السودانية، داعياً إلى حشْد جهود جميع الأطراف المعنية من أجل إيقاف الحرب. كذلك، أكّد «البدء فوراً في التنسيق مع الاتحاد الأفريقي» لتحقيق الهدف المُشار إليه.ويَظهر ممّا تقدَّم، أن «إيغاد» ستسعى إلى بذْل جهود مضاعفة لتحقيق اختراق من خلال اجتماعات أديس أبابا، حيث لا يُستبعد أن تنجح جهودها في إعادة ممثّلي الجيش إلى المشاركة، وإنْ أوجب ذلك إجراء تعديلات على تشكيلة الوفد المفاوض للقوات المسلّحة السودانية. ولعلّ أكثر ما لفت في بيان «إيغاد»، طلبه عقْد قمّة لـ«القوّة الاحتياطية لشرق أفريقيا» (إيساف)، لبحث إمكانية نشر قوات لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وهو الأمر الذي يرفضه قطاع كبير من السودانيين - ولا سيّما المناصرون للجيش -، باعتباره مقدّمة لتدخُّل دولي أوسع في الشأن السوداني. ومن جهتهم، يرى مراقبون أن هناك ضرورة لتدخُّل قوات إقليمية، أو حتى أمميّة لحماية المدنيين، في ظلّ الاعتداءات المتكرّرة لطرفَي النزاع عليهم، حيث سقط الآلاف منهم منذ اندلاع الحرب، جرّاء القصف المتبادل بين القوات المتحاربة، وأيضاً في ظلّ تمادي الطرفَين في الاقتتال من دون مراعاة الدعوات أو المبادرات الدولية والإقليمية لإيقاف إطلاق النار، حمايةً للمدنيين.
بحث الاجتماع إمكانية نشر قوات إقليمية أو أممية لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية


ويبدو أن الجيش الذي فشل حتى الآن في حسم تمرُّد قوات «الدعم السريع»، والذي بدأ قبل أكثر من ثلاثة أشهر، أدخل نفسه في أزمة جديدة، بفعل قراره مقاطعة اجتماع إقليمي يبحث في حلول سلميّة للحرب، وبمباركة أرفع جهة أفريقية ممثّلة بـ«الاتحاد الأفريقي»، ما من شأنه أن يؤثّر سلباً على موقفه في الداخل، ويُظهره بصورة المتسبّب في الاعتداءات على المدنيين، كما سيصعّب احتمال حسْمه للمعركة، خاصّة إذا أقرّت قمّة «إيساف» نشْر قوات حماية في السودان. في المقابل، سيُكسب ذلك قوات «الدعم السريع» نقاطاً ما كانت لتحلم بكسبها في مسار صراعها مع الجيش، وليس أقلّها إظهارها على أنها الطرف الملتزم بالاستجابة لكلّ المبادرات والوساطات الإقليمية والدولية، ما يقرّبها خطوةً إضافية من الاعتراف بها كطرف أصيل، وليس مجرّد ميليشيا مسلّحة، خصوصاً أن ثمّة توجّهاً خارجياً على ما يبدو لـ«شرعنتها»، حفظاً لمصالح جهات بعينها. وفي تعليقها على مخرجات اجتماع أديس أبابا، أعلنت الحكومة السودانية، الموالية لـ«المجلس السيادي» برئاسة عبد الفتاح البرهان، أمس، رفض «إشارة بيان الإيغاد إلى بحث نشر قوات شرق أفريقيا للطوارئ لحماية المدنيين في السودان»، محذّرةً من أن «عدم احترام آراء الدول الأعضاء سيجعلنا نعيد النظر في جدوى عضويتنا» في المنظمة، ومستغربةً «حديث رئيس وزراء إثيوبيا عن فراغ القيادة في السودان».