جنين | هنا مخيم جنين. هذا يعني الرجولة والإبداع والقصص المثيرة التي تظلّلها الشهادة والتضحيات. مجدي يونس عرعراوي، شابٌّ لم يتجاوز من العمر ثمانية عشر ربيعاً، يتيم الأب، كان له مع هذا العام قصة أخذت من اسمه الكثير، وتكلّلت في نهايتها بالشهادة الحاضرة بقوة بميدان المقاومة.

بداية هذا العام، اعتقل مجدي على يد سلطات الاحتلال، وأمضى في الأسر ثلاثة أشهر، ودفع غرامة باهظة، ثم أفرج عنه، وحمل في أيامه التي تلت الاعتقال حملين ثقيلين؛ الأول التحضير لامتحان الثانوية العامة التوجيهي، والثاني الانتماء إلى «كتيبة جنين«وحدة العبوات اليدوية الصنع/ محور حارة الدمج».
مضى في كلتا المهمتين شعلة إصرار وتفاؤل وعمل. تجاوز امتحانات الثانوية العامة، ولم يغفل خلالها عن مشاركة رفاقه أبطال المخيم في مقاومة اقتحامات المخيم من قبل قوات الاحتلال، وخاض أكثر من مواجهة وهو يحمل على ظهره حقيبة «الأكواع» ذهاباً وإياباً على امتداد حواري المخيم، حتى جاء يوم الثالث من تموز الحالي. بدأ القصف الجوي الممهد للمعركة ليلاً، جاء مجدي إلى حيث مكمن العبوات، أخذ ما يمكن حمله وزاد عليها بواحدة ثقلية وكبيرة حملها على عاتقه، كان متعجلاً، ثم ذاب ورفاقه في أزقة المخيم ينتظرون العدو.
انجلى الليل وحلَّ الضحى، ثبتوا على أطراف حيّ الدمج، هو ورفيق له، وأحمد العامر وعلي الغول وآخرون، حاولت الجرافة التي دمرت الشارع القريب من حارة الدمج التقدّم، فعالجها أحدهم بعبوة كبيرة، وقام الآخرون بإمطارها بالأكواع، بينما انبرى أحمد إلى رشقها بالرصاص. لم يكن علي يعلم أن القناص الجالس إلى جانب سائق الجرافة العسكرية يترصّدهم، أصاب علي إصابة قاتلة فاستشهد.
تقدّم مجدي ليلقي عبوة ويسحب علي من أرض المعركة، فأصيب هو الآخر إصابة قاتلة. تقدّم رفيقه، حاول سحبه تحت وابل من رصاص القنص من كل مكان، فأصيب برصاصة اخترقت مقدمة رأسه وأفقدته البصر وخرجت منه لتصيب مجدي حيث اخترقت رقبته. نزع رفيقه قميصه وحاول تغطية رقبة مجدي التي تنزف بغزارة. تقدّم أحمد تحت تغطية نارية لسحب المرتقين فارتقى هو أيضاً. أصبحوا ثلاثة شهداء، علي ومجدي وأحمد، وجريح مصاب بجراح خطيرة، وجميعهم من يحملون على جباههم وسم «الكتيبة» اليوم. ظهرت نتائج الثانوية العامة، لقد نجح فيها أيضاً مجدي بمعدل 90،4 في الفرع الصناعي. نعم، كانت هناك بعض الدموع المرّة على هذا الخبر، لكن أمّه المكلومة ذهبت إلى قبره منذ الصباح تبارك له النجاح والتفوّق في الشهادتين.