أَطلق الجيش الإسرائيلي صافرة الإنذار، محذّراً الحكومة والمعارضة على السواء، من عواقب الانقسام والصدع الاجتماعيَّيْن، وتداعياتهما السلبية على تماسك الجيش وكفاءته، وسط دعوات متزايدة إلى التخلّف عن الالتحاق بالخدمة العسكرية الاحتياطية، والتي يبدو كذلك أنها وصلت إلى الخدمة النظامية، في ظلّ تأكيد مصادر رفيعة المستوى أن "الوضع أسوأ بكثير ممّا يصفه قادة المؤسّسة العسكرية". وعبّر رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، في هذا الإطار، عن خشيته من الآتي، مع اتّساع ظاهرة الامتناع عن الخدمة العسكرية، وإعراب أكثر من 10 آلاف جندي احتياطي في الأذرع والأسلحة المختلفة للجيش، من بينهم أكثر من ألف احتياطي في القوات الجوية ومئات الطيارين، تعليق التطوّع في وحداتهم، في حال استمرّ مسار التشريع المتعلّق بـ"قوانين الانقلاب". وقال هليفي، في رسالة إلى جنوده: "إذا لم نكن جيشاً قويّاً ومتماسكاً، وإذا لم يخدم الأفضل في الجيش، فلن نتمكّن بعد الآن من الوجود كدولة في المنطقة".
امتدّ الامتناع عن الخدمة، أمس، إلى سلاح الاستخبارات (أ ف ب)

وجاءت رسالة هليفي بعد تقييم أجراه مع قيادة أركان جيشه، وسؤال العديد منهم عمّا إذا كان ينبغي تقليص جهوزية الجيش العملياتيّة وفقاً للمعطيات السلبية الخاصة بالتخلّف عن الخدمة الاحتياطية (صحيفة "هآرتس")، علماً أن هليفي كان قد تحدّث إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يؤاف غالانت، وقدّم لهما معطيات حول معدّل الرفض في الجيش الإسرائيلي، وتداعياته على التماسك والجهوزية. وذكرت "القناة 12" العبرية، أمس، أن رئيس هيئة الأركان أبلغ القيادة السياسية بأن ضرراً حقيقيّاً سيلحق بكفاءة الجيش خلال الساعات الـ24 المقبلة، في حال إقرار مشروع قانون تقليص المعقولية، المتوقَّع أن يُصوَّت عليه بالقراءتَين الثانية والثالثة، اليوم الإثنين.
وأعرب نحو مئة من كبار المسؤولين السابقين في المؤسّستَين العسكرية والأمنية، من بينهم رؤساء أركان سابقون ورؤساء أذرع أمنية على اختلافها، تضامنهم مع جنود الاحتياط الذين قرّروا الامتناع عن أداء الخدمة الإلزامية، وطالبوا، في رسالة بعثوا بها إلى نتنياهو، بضرورة وقف التشريعات "الانقلابية"، وقالوا إنهم يعتبرونه "مسؤولاً بشكل مباشر عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي وأمن إسرائيل".
«إذا لم نكن جيشاً قويّاً ومتماسكاً، وإذا لم يخدم الأفضل في الجيش، فلن نتمكّن بعد الآن من الوجود كدولة في المنطقة»


وامتدّ الامتناع عن الخدمة، أمس، إلى سلاح الاستخبارات، إذ أبلغ 951 من جنود الاحتياط في "أمان"، من بينهم 487 على رأس عملهم، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أهارون حاليفا، بأنهم سيتوقّفون عن التطوّع فوراً، الأمر الذي من شأنه التأثير سلباً على الاستخبارات ومهامّها، وسط تنامي التهديدات على المستويَين الداخلي والخارجي. وورد، في رسالة الرافضين، أن "الحكومة تواصل الترويج للانقلاب بقوّة أكبر، ونحن الموقّعين أدناه، جنود الاحتياط السابقين والحاليين وخرّيجي الوحدات الاستخبارية، ننضمّ إلى إخوتنا وأخواتنا، ونبلغ قادتنا بحزن شديد تعليق تطوّعنا لخدمة الاحتياط".
وشهدت تل أبيب والقدس وعدد من المدن الكبرى في فلسطين المحتلّة، أمس، تظاهرات احتجاجية ضدّ حكومة نتنياهو، وأخرى مؤيّدة لها، ليس فقط على خلفية الموقف من التعديلات القضائية، بل أيضاً على أسلوب العيش والموقف من الآخر اليهودي وغير اليهودي، إضافة إلى سيطرة فئة يهودية على أخرى وفرض إرادتها عليها، علماً أن المحتجّين يرون في تقليص صلاحيات القضاء مدخلاً لتغيير نظام الحكم في إسرائيل، وزيادة التصدّع الاجتماعي فيها.
وعلى رغم ما تقدَّم، ظهر نتنياهو أمس عبر مقطع مسجّل من المستشفى حيث يتلقّى العلاج بعد وعكته الصحية، ليقول: "نواصل جهودنا لاستكمال التشريع، وكذلك جهودنا للقيام بذلك بالاتفاق، وسأنضم صباح الغدّ إلى زملائي في الكنيست". ويُعدّ كلام نتنياهو هذا حمّالاً أوجهاً، وإنْ كان يشير أكثر إلى نيّته السير قدماً في إقرار القانون. ولكن، هل سيقدم على ذلك؟ وماذا سيحدث في أعقابه؟ وهل تتحوّل الاحتجاجات إلى ما هو أسوأ؟ وفي سيناريو آخر، هل ينكفئ ويتراجع أمام الصغوط، التي بات تأثيرها هائلاً بعد تدخّل المؤسسة العسكرية؟ وماذا عن تعامل الآخرين مع انكساره هذا؟
قد يلجأ إلى هذا السيناريو أو ذاك؛ لكنّ المؤكد أنه خسر المعركة، وما يحاول فعله الآن هو الحدّ من الخسائر لا أكثر. في المقابل، لم يَعُد الآخرون يرضون بأقلّ من كسر غريمهم، وكلا الجانبَين على نقيض: فإمّا انتصار كامل، أو هزيمة كاملة. على أن الخاسر الأكبر في هذه "المعركة" هو إسرائيل الدولة، ومصالحها ونظرة أعدائها وأصدقائها إليها، علماً أن هناك من يحاجّ بأن الأزمة الداخلية جزء لا يتجزّأ من تكوّر إسرائيل الاجتماعي وتالياً السياسي، فهل تكون نتيجة هذا التكور نحو الأسوأ أو الأحسن؟ الإجابة ليست محسومة إلى الآن.