أثارت الإمارات أزمة جديدة في علاقاتها العربية، هذه المرّة مع الجزائر التي اتهمتها بمساعدة المغرب على إقامة نظام للتجسس على حدودها، في الوقت الذي يتفاقم فيه الخلاف المغربي - الجزائري حول الصحراء الغربية بعد الدخول الإسرائيلي على خطه، من خلال الاعتراف بمغربية الصحراء، وما كشفته وثائق ديبلوماسية سرية أخيراً نقلاً عن سفير المغرب في تايلاند، عبد الإله الحسني، من إقامة قواعد عسكرية جديدة على الحدود نفسها، بتعاون مغربي – إسرائيلي.متى يتوقف محمد بن زايد عن خلق الأزمات مع الدول العربية؟ هذا السؤال صار ملحاً بعد تزايد الدول العربية التي تتهم أبو ظبي بالتآمر عليها وعلى وحدتها. وهذا كله في كفة والاتهامات السعودية لابن زايد بالتآمر على المملكة في كفة أخرى. فهذه الاتهامات تطرح سؤالاً أخطر وأفدح، وهو هل الإمارات تفعل ذلك لغاية في نفسها، أم بالنيابة عن إسرائيل والولايات المتحدة في مشروع للفتنة المتنقلة، بدأ يتضح أكثر مع انفجار حرب تمزيق السودان، وصولاً إلى انقلاب النيجر الأخير الذي قرأته الجزائر في سياق التآمر الإماراتي عليها، حينما اتهمت، عبر صحفها، ابن زايد بالوقوف وراءه.
وعلى نحو مفاجئ، اتهمت صحيفة "الخبر" الجزائرية، الإمارات، بإمداد المغرب بنظام جديد للتجسس طوّرته شركة «كوادريم» الإسرائيلية، موجّه لاختراق هواتف المسؤولين والصحافيين في عشر دول، حيث تم نصبه بالقرب من الحدود الجزائرية، وذلك في تقرير مفصل نشرته الخميس الماضي حمل عنوان «أبو ظبي عاصمة التخلاط» وهي كلمة عامية جزائرية تعني «الفتنة».
من الصعب تصوّر أن تتدخّل الإمارات في كل هذه الملفات بالاستناد إلى قوتها الذاتية وحدها. فلا قدرة لدولة بحجمها على القيام بذلك من دون بُعد أكثر اتساعاً، يندرج ضمن سياقات إقليمية وحتى عالمية، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة تحدياً لهيمنتها في مناطق عديدة. وفي حالة الشرق الأوسط والساحل الأفريقي، تتبع واشنطن بالتعاون مع تل أبيب وأبو ظبي أسلوب إشعال الأزمات وتفجير الحروب لمنع الذهاب حتى النهاية في اتفاقات بين دول إقليمية، قد تضر بمصالحها. وتقوم إسرائيل والإمارات بمهمات متزايدة منذ توقيع «اتفاقات أبراهام» التي يشارك فيها المغرب.
ويتزامن الخلاف الإماراتي - الجزائري مع محاولة مغربية - إسرائيلية لـ «عسكرة» النزاع حول الصحراء الغربية، وفق ما تكشف وثائق سرية اطلعت عليها "الأخبار"، تظهر قيام الرباط بناء قواعد عسكرية جديدة قرب الحدود مع الجزائر بالتعاون مع إسرائيل، فضلاً عن توجيه دعوة علنية من الملك محمد السادس إلى رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، لزيارة المغرب، مكافأة له على «اعترافه» بسيادته على الصحراء الغربية، في الوقت الذي يتجنّب فيه كثيرون في العالم ومنهم الرئيس الأميركي، جو بايدن، وابن زايد نفسه الاجتماع به في هذه المرحلة.
يتزامن الخلاف الإماراتي - الجزائري مع محاولة مغربية - إسرائيلية لـ «عسكرة» النزاع حول الصحراء الغربية


توقيت الدخول الإسرائيلي - الإماراتي على خط مشكلة الصحراء الغربية بذاته مثير للشبهة، وهي مشكلة تعود إلى عام 1975، حينما سحبت إسبانيا ما بعد فرانكو قواتها منها. فلم تكتف الصحف الجزائرية باتهام الإمارات بالتآمر مع المغرب ضدها، وإنما بتدبير الانقلاب العسكري في النيجر الأسبوع الماضي، لإكمال الطوق حول الجزائر، ولا سيما أن الاتهامات الجزائرية شملت أيضاً محاولة أبو ظبي ابتزاز تونس، المأزومة اقتصادياً، من خلال إغرائها بالمال شريطة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل وقطع علاقاتها مع الجزائر، وأيضاً سعيها لترتيب زيارة لوزير الدفاع الموريتاني، حننه ولد سيدي، إلى إسرائيل برفقة وفد إماراتي. قبل ذلك كله، يتحدث مراقبون عن أن اندلاع حرب السودان، ليس بعيداً عن الحراك الإماراتي، في ضوء العلاقة التي تربط أبناء زايد بقائدي الحرب هناك، ولكن خصوصاً بقائد قوات "الدعم السريع"، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وابتعاد أبو ظبي عن بذل أي جهد للحلّ انطلاقاً من هذه العلاقات.
ولعل ما نقل عن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، من اتهام لابن زايد بطعن السعودية في الظهر، يعكس بدقة موقع الإمارات الحالي، وما هو المشروع الذي تعمل ضمنه، وبمن تستقوي. فالصراع السعودي - الإماراتي يتصاعد حيث توجد ملفّات مشتركة بين البلدين، ولكنه يظهر خاصة في اليمن حيث تسعى أبو ظبي بالتعاون مع واشنطن لتخريب محادثات السلام بين الرياض وحركة «أنصار الله»، وإن أمكن نسف الاتفاق السعودي - الإيراني برمته، مستخدمتين نفوذهما وميليشياتهما في جنوب البلاد، بعد أن استشعرت الولايات المتحدة خطراً على مصالحها في المنطقة من خلال التقاربات الجارية، ولا سيما من تفلت ابن سلمان من سيطرتها. وحتى لو لم تتمكّن الولايات المتحدة وحلفاؤها من إبطال تلك التقاربات، فقد تستطيع وقف الذهاب بها بعيداً أو إبطاءها.
ولأن الإمارات في هذا التموضع، فقد يكون تهديد ابن سلمان في حديث أمام صحافيين سعوديين سُربت مقتطفات صغيرة منه إلى «وول ستريت جورنال»، بأن يفعل معها أكثر مما فعله مع قطر عام 2017، مقصوداً لإثارة الشك في قدرة الرجل على الفعل، بعد أن مُني حصار قطر بقيادته بفشل ذريع، وارتد عليه بنتائج سلبية. لكن المؤشرات حتى الآن في التعامل مع أبو ظبي تفيد بأن ولي العهد السعودي تعلّم من ذلك الخطأ، ويتصرّف بطريقة مغايرة هذه المرّة، من خلال السعي على المدى الأطول للاستيلاء على دور الإمارات التجاري والمالي، وتلك لا يمكن لأحد أن يمنعه من القيام بها. وهذا هو سر التوتر الإماراتي.