رام الله | بحث جيش الاحتلال، عقب عملية تل أبيب التي نفّذها الشهيد كمال أبو بكر وأسفرت عن قتل عنصر أمن، عن ردّ سريع يمسح العار الذي لحق بالمؤسسة الأمنية، وخصوصاً مع الانتقادات اللاذعة التي وُجّهت إلى الأخيرة من قِبل المستوطنين ووسائل الإعلام. وفي هذا السبيل، جاءت عملية اغتيال 3 مقاومين، هم براء القرم ونايف أبو خويص ولؤي أبو ناعسة قرب بلدة عرابة جنوب جنين، بهدف استعادة شيء من الردع، على الرغم من كونها تصفية وحشية، حاول العدو تغليفها بقالب أمني استخباراتي لتضخيم الإنجاز، من خلال الادّعاء أنها جاءت لإحباط عملية فدائية كبيرة. وبحسب المعطيات والظروف التي أحاطت بالاغتيال، فإن الأخير استهدف الانتقام واستعراض القوة ليس إلا؛ إذ أظهر مقطع فيديو وثّق تنفيذ الجريمة بواسطة مجموعتَين، إحداهما من الوحدة الخاصة التابعة لشرطة الاحتلال «يمام»، وثانيتهما من جيش العدو وجهاز «أمنه العام» (الشاباك)، كانتا تحتميان خلف مركبتين تحملان لوحتَي ترخيص فلسطينيتَين، وأطلقتا أكثر من 100 رصاصة على المركبة الفلسطينية الصغيرة التي كانت تبعد أمتاراً قليلة عنهما، بحيث كان بإمكانهما اعتقال الشبّان الذين على متنها.وفي مقابل تلك المشاهد، ادّعى الناطق باسم جيش الاحتلال، دانيال هغاري، أن قواته كانت عازمة على إعدام الشبّان الثلاثة ميدانياً، ولم تسعَ إلى اعتقالهم، قائلاً: «علمنا أن هناك ثلاثة إرهابيين كانوا يخطّطون لشنّ هجوم في الطرق القريبة من المستوطنات الإسرائيلية»، مضيفاً أنه «لم تكن هناك نيّة لإيقافهم، فبمجرّد تحديد الوسائل والنية لديهم، وأنهم في طريقهم لتنفيذ هجوم، كانت المهمّة هي القضاء عليهم». على أن هذه المزاعم بدت «هوليودية» تماماً، ورامية إلى امتصاص الغضب على الجيش والحكومة، وخصوصاً أن الاغتيال أعقب عملية تل أبيب بساعات، وتزامن مع عقد المجلس الوزاري المصغّر جلسة لتقييم الأوضاع الأمنية، فضلاً عن أنه لا يُعقل توجّه 3 مقاومين لتنفيذ عملية كبيرة، كما ادّعى الاحتلال، ببندقية واحدة فقط ومن دون وسائل قتالية أخرى. ومن هنا، يعتقد المختصّ في الشأن الإسرائيلي، سعيد بشارات، أن «عملية الاغتيال جاءت للتغطية على ما حدث في تل أبيب»، لافتاً، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «جيش الاحتلال كانت لديه معلومات حول هؤلاء الشبان، ورأى أن التوقيت مناسب لتنفيذ العملية لتسجيل نقطة لصالحه بعد الفشل الكبير في منع عملية تل أبيب».
وإذا كان الاغتيال متوقَّعاً بعد هجوم تل أبيب، ولا سيما مع فشل جيش الاحتلال منذ عامين في ترميم قوّة درعه، فضلاً عن اجتثاث المقاومة في الضفة، على رغم العمليات العسكرية التي أطلقها منذ «كاسر الأمواج» مروراً بالعدوان الواسع على مخيم جنين ومن ثمّ مخيم نور شمس، وعودته إلى تنفيذ اغتيالات باستخدام الطائرات المروحية، فقد استثارت عملية التصفية الأحدث مخاوف لديه من ردّ المقاومة، وخصوصاً أن الأخيرة تعهّدت بأن الرد «قادم وكبير». ولذا، استعدّ العدو لاحتمالية إطلاق صواريخ من قطاع غزة، عبر رفع حالة التأهب في مناطق انتشار «القبة الحديدية» في مدن «أسدود» و«عسقلان» و«سديروت»، كما استنفر قواته في الضفة وعلى طول جدار الفصل العنصري. وكانت توعّدت حركة «حماس» بـ«الردّ الكبير» على عملية الاغتيال، بينما أكدت حركة «الجهاد الإسلامي» أن «العدو سيدرك عمّا قريب أن حماقاته ستُقابَل بردّ قوي من المقاومة، وأن سرايا القدس لا تفرّط أبداً بدماء مجاهديها وقادتها».
ناقش المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر اتّخاذ خطوات لمساعدة السلطة الفلسطينية


وتبدو خيارات الردّ مفتوحةً أمام المقاومة، سواءً بعمليات إطلاق نار تستهدف الجنود أو المستوطنين أو الحواجز العسكرية، أو عمليات في الداخل المحتلّ، من دون استبعاد عودة الفصائل إلى تنفيذ هجمات تفجيرية داخل الخطّ الأخضر. وفي هذا الإطار، يرى بشارات أن «الردّ لن يكون من غزة كما توقّع الاحتلال، الذي أراد ذلك لنقل المعركة من الضفة إلى غزة، وهذا يعود إلى وعي الفصائل التي ترى أن تركيز الأوضاع في الضفة أفضل للحالة الفلسطينية وأكثر تأثيراً على العدو»، مضيفاً أن «تطوّر الأحداث وتصاعد المقاومة في الضفة يفتحان باب الردّ على مصراعَيه بكلّ الأشكال والطرق، فكما شهدنا عملية إطلاق نار في تل أبيب، قد نرى غداً عملية تفجيرية في الداخل، خاصة مع تطوّر صناعة المتفجرات والعبوات في الضفة». ويلفت إلى «فشل الاحتلال في وأد المقاومة وتقييدها ومنع انتشارها»، متابعاً أن «الحالة في الضفة متطوّرة دوماً، وتتصاعد بشكل متسارع، خاصة أن هناك استفزازات من المستوطنين وعمليات قتل من قِبلهم ومن قِبل الجيش الذي يوفّر لهم حماية. وبالتالي، فإن الردود ستتركّز في الضفة الغربية لأن أيّ ردّ آخر سيكون له تأثير سلبي على الأخيرة».
ووسط النشوة التي تعتري المؤسسة العسكرية عقب عملية الاغتيال، قال موقع «واللا» العبري إن الجيش سيمنح الضوء الأخضر لتوسيع نطاق عمله في الضفة، عبر تنفيذ اغتيالات على غرار ما جرى في جنين، ناقلاً عن مسؤولين عسكريين قولهم إن عملية مساء الأحد «كانت البداية فقط»، وإن ثمّة توجّهاً لـ«ضرب البنية التحتية للإرهاب، وتنفيذ عمليات في قلب جنين في المستقبل، مع التركيز على المخيم». وأضاف هؤلاء أن «ما حدث لعرين الأسد في نابلس، سيتمّ فعله ضدّ كتيبة جنين»، مستدركين بأن «القتال ضدّ المسلحين في مخيم جنين قد يستمرّ لبعض الوقت، وربّما لعدّة أشهر أخرى».
وبالتزامن مع التصعيد العسكري الذي تلوّح به حكومة الاحتلال ضدّ المقاومة في الضفة، ناقش المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر اتّخاذ خطوات لمساعدة السلطة الفلسطينية، استجابة لضغوطات أميركية في هذا المجال. ومن بين التسهيلات التي ناقشها «الكابينت» مساء الأحد، تجميد سداد السلطة للديون المقدَّرة بحوالي 500 مليون شيكل لمدّة عام، وتوسيع جسر اللنبي (تمديد ساعات العمل على جسر الكرامة وجسر الملك حسين)، والترويج لمنطقة ترقوميا الصناعية في الخليل. وكشفت «القناة الـ13» الإسرائيلية أن «قرار رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عرض التسهيلات المخطَّط تقديمها للسلطة الفلسطينية على وزراء الكابينت، جاء نتيجة للضغط الأميركي»، لافتةً إلى أن المجلس المصغّر، الذي لم يشهد تصويتاً على المقترح، فوّض نتنياهو، ووزير الحرب يوآف غالانت، اتّخاذ قرار في شأنه، فيما يُتوقّع الإعلان رسمياً عن الخطوات المتّخذة حيال رام الله، خلال الأيام المقبلة.