الخرطوم | تشتد حدّة المعارك بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، والتي يستخدم في خلالها الطرفان أسلحة خفيفة وثقيلة من مدافع وصواريخ، بعد أيام من الهدوء النسبي على كل الجبهات. وتحوّلت مدينة أم درمان، غرب العاصمة، في اليومين الماضيين، إلى مسرح لقتال شرس في أحيائها القديمة، أبوروف وبيت المال والقماير والعباسية والدوحة والشهداء وغيرها. أما خارج الخرطوم، فسيطر الهدوء على مختلف جبهات القتال، باستثناء مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور غربي السودان، التي شهدت معارك عنيفة بين الطرفين، من دون أن يحقّق أحدهما تقدماً عسكرياً على الآخر في المدينة التي يتقاسم الجانبان السيطرة عليها منذ بدء الحرب. وكالعادة، قدّم كل من الجيش و«الدعم» روايته حول سير المعارك الجارية وتحقيق كل منهما تقدّماً على حساب الآخر.ومع اشتداد المعارك، تواصل مئات الأسر مغادرة منازلها، إما بشكلٍ طوعي هرباً من جحيم المعارك، أو جبراً بأوامر أطلقها الطرفان المتنازعان. وفي السياق، يقول عمار سليمان، أحد سكان مدينة أم درمان، في حديث إلى «الأخبار»، إنه اضطرّ لمغادرة منزله شأنه شأن مئات الأسر نتيجة الاشتباكات العنيفة في وسط المدينة وفي محيط مقر سلاح المهندسين، وفي ظلّ القصف المدفعي والجوي المكثف في جنوب وغرب ووسط أم درمان، والذي طالت آثاره بيوت وتجمعات المدنيين. أما عثمان أحمد، أحد الفارين مع عائلته، فيقول لـ«الأخبار» إن العائلات النازحة التي وصلت إلى أحياء الثورات في شمال المدينة، باتت في حالة يرثى لها وهي في حاجة إلى مواد إغاثية ومراكز للإيواء بصورة عاجلة.
وبينما استهدف الطيران الحربي التابع للجيش تجمعات لـ«الدعم السريع»، مُتسبّباً بسقوط قتلى في صفوف هذه القوات إلى جانب عشرات المدنيين في أم درمان، يرى الخبير العسكري، علي ميرغني، أن «حجم الخسائر البشرية لدى طرفَي النزاع يبيّن أن معركة كبيرة تدور لحسم الوضع»، مستبعِداً، في حديث إلى «الأخبار»، حسمها في وقت قريب. ويعتقد أن «الجيش يقوم بعملية استطلاع للقوة لتقييم قدرات العدو بعد مضي قرابة 115 يوماً على بدء العمليات»، مرجحاً أنه «في حال كان استطلاع القوة لصالحه، سيقوم بعملية كبيرة لتنظيف أم درمان القديمة والسيطرة على مدخل كبري شمبات، بما من شأنه قطع أي تبادل للإسناد بين قوات الدعم السريع الموجودة في بحري وأم درمان». ويوضح ميرغني أن «قوات الدعم السريع تعتمد تكتيكاً عسكرياً يُعرف في السودان بالفزع، وهو تحريك قوات من منطقة لإسناد قوات في منطقة أخرى تتعرض لهجوم»، لافتاً إلى أن هذا التكتيك «يفرض على قيادة الجيش اتخاذ قرار بهدم جزء من كبري شمبات لقطع الإسناد عن تلك القوات». وفي خضمّ ذلك، رحّبت قوات «الدعم السريع»، بانضمام «درع السودان»، وهي ميليشيا منفصلة يقودها رجل يُدعى أبو عاقلة كيكل، بكامل قواتها وعتادها الحربي، للقتال إلى جانبها، غير أن بياناً منسوباً للجنة التسييرية لـ«درع السودان» نفى الأمر، قائلاً إن كيكل يمثل نفسه، وإن «الدرع» منحازة كلياً إلى الجيش.
حجم الخسائر البشرية لدى طرفَي النزاع يبيّن أن معركة كبيرة تدور لحسم الوضع


وتأتي التطورات الميدانية تلك في ظل توقف كامل لمبادرات الحل السياسي التي نشطت لإنهاء الحرب، بما فيها مفاوضات جدة بوساطة سعودية - أميركية، والتي لم تحقّق قدماً. ويلقي المحلل السياسي، محي الدين محمد، بمسؤولية توقفها على آلياتها «التي تعاملت مع الحرب كصراع بين طرفين متساويين وليس فيها طرف متمرد، ما مكّن الدعم السريع من التعامل من منطلق الندية ورفض الخروج من منازل المواطنين على اعتبار أنها مواقع له». ويرى محمد، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «على الرغم من وجود عدد من المبادرات المتقاطعة التي تسعى كلها إلى وقف الحرب، إلا أنه في حال مارست واشنطن ضغوطاً على قوات الدعم السريع قد يتم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار طويل المدى، والذي ستعقبه مفاوضات لإنهاء الحرب».
في هذا الوقت، خرجت إلى العلن مبادرة نائب رئيس «مجلس السيادة»، مالك عقار، لإنهاء الحرب، والتي تستند إلى تحقيق فصل للقوات على الأرض والاتفاق على وقف لإطلاق النار، لكنّها لم تبصر النور كوْنها لم تلقَ قبولاً من «الدعم السريع». وفي السياق، يعتبر رئيس المكاتب الخارجية لقائد «الدعم»، إبراهيم مخيّر، أن «عقار لا يملك أي مصداقية منذ أن كان في المعارضة المسلحة لنظام الإسلاميين، وهو اليوم يعمل لعودة الديكتاتورية ويقف إلى جانب مَن ظلموه لسنين طويلة، آملاً في تحقيق مكاسب سلطوية ودافعاً بالعشرات من أبناء جلدته إلى نيران الحرب بثمن بخس». ويضيف مخيّر، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «قوات الدعم السريع ترى أن كل المبادرات التي يقوم بها الإسلاميون تهدف إلى إطالة أمد الأزمة وزيادة عذابات السودانيين»، متابعاً أن «الأجدى بمالك عقار أن يبادر لوقف القصف الجوي العشوائي للخرطوم ولو ليوم واحد حتى يعكس نواياه الحقيقية في سعيه للسلام، بدلاً من خطاباته الرنّانة، لكن ذلك لن يحدث لأنه لا هو ولا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يملكون القرار». ويرى مخيّر أن «البرهان لم يعُد صاحب القرار بعدما اختطفت الدولة من قبل الكوادر المتطرفة من الإسلاميين الذين هربوا من السجون في أثناء الفوضى التي نتجت عن الحرب».
من جهته، يعتقد المتحدث باسم «قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي»، شهاب إبراهيم، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «القوى المتصارعة ليست لديها خطة لإنهاء الحرب». ويضيف أنه «طالما أن المعارك العسكرية مستمرة إلى جانب خطابات التحشيد، فإن مبادرة مالك عقار عبارة عن خطاب للاستهلاك وإن كان يحوي جزءاً من المنطق للوصول إلى حل عبر التفاوض»، مشدّداً على أن «الحل يبدأ بالوقف الدائم للحرب والقتال، وإخلاء مساكن المواطنين والمرافق الأساسية، كما جاء في إعلان المبادئ لمنبر جدة للمفاوضات».