طرابلس | في خضمّ الأزمة المتصاعدة بين المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، ورئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، تنشط تحرّكات لإبعاد الأخير من المشهد السياسي عبر الإطاحة به وتصعيد نائبه الثاني مصباح دومة، ليحلّ مكانه بالانتخاب وفق آلية المحاصصة المتفق عليها بين الأقاليم الليبية الثلاثة. ويأتي هذا بعد أيّام قليلة من الإطاحة برئيس «المجلس الأعلى للدولة»، خالد المشري. وفي السياق، شهدت الأيام الماضية عدّة لقاءات سرية جرى خلالها جمع توقيعات نواب المجلس - في أوراق رسمية - لترشيح دومة لرئاسة البرلمان، والمطالبة بتمثيل إقليم الجنوب في رئاسة مجلس النواب، كوْن إقليم الشرق ممثّلاً في رئاسة المجلس الرئاسي، وإقليم الغرب في رئاسة الحكومة. وبينما تجيء هذه التحركات في خضمّ عدّة ضغوط يواجهها صالح، إثر اتهامات مباشرة له بمسؤوليته عن تعطيل العملية الانتخابية وعرقلتها، فهي تتزامن أيضاً مع بروز تحركات غير معلنة لمنافسيه في الشرق، وبخاصة العسكري خليفة حفتر الذي يعمل في صمت مع عدّة أطراف داخلية وإقليمية، منذ أسابيع، من أجل الإطاحة بصالح - منافسه المحتمل في الانتخابات الرئاسية-. ولذلك، فإن تلك التحركات التي تمثّل، ظاهرياً، سعياً لتحقيق المحاصصة في المناصب السياسية، تنذر على أرض الواقع بإعادة تشكيل الخريطة السياسية خلال المرحلة الانتقالية، بما قد يؤدي إلى حلحلة سياسية في الأسابيع المقبلة، كوْنها تغيّر من الأوضاع القائمة منذ سنوات والتي تصدّت لأي تغييرات فعلية على أرض الواقع.
لا تبدو الصورة واضحة بالنسبة إلى مستقبل عقيلة صالح السياسي


وحتى الآن، لا تبدو الصورة واضحة بالنسبة إلى مستقبل صالح السياسي، على الرغم من تراجعه عن رفضه توصيات مفوّضية الانتخابات حول قوانين الانتخابات والتعديلات المطلوبة عليها من أجل تحويلها إلى قوانين قابلة للتنفيذ، الأسبوع الماضي، تحت وطأة الضغوط، فضلاً عن لقائه بباتيلي بعد الانتقادات التي سبق أن وجّهها إلى الأخير بسبب تصريحاته المستمرة حول إمكانية إجراء حوار سياسي بعيداً عن البرلمان من أجل إنجاز الانتخابات. وبعيداً من صدامه مع باتيلي، يرتبط جزءٌ من الغموض الحالي بشأن مستقبل صالح السياسي بعدم ضمان حصوله على دعم إقليمي في حال عزله من منصبه كرئيس لمجلس النواب من قبل الأعضاء، نظراً إلى أن المسار الداخلي في المجلس هو شأن ليبي، فضلاً عن أن التنسيق بينه وبين حفتر مقطوعٌ إثر محاولات صالح المستمرة عرقلة ترشّح الأخير للانتخابات الرئاسية، من خلال شروط تفصيلية في قوانين الانتخاب تعيقه. وتضاف إلى ذلك، كثرة خلافات صالح وتعدّد أعدائه والمعترضين على سياساته، بدءاً من بعض نواب المجلس الذين يتّهمونه بالانفراد بالسلطة والقرارات ومحاولة تصدّر المشهد باستمرار، مروراً بعداواته مع رئيس حكومة "الوحدة الوطنية" عبد الحميد الدبيبة، ووصولاً إلى الارتباك الواضح في الحكومة الحاصلة على ثقة البرلمان التي كان يتولّاها فتحي باشاغا. كلّ ما تقدّم، يجعل من إبعاد صالح من المشهد فرصةً لمزيد من التنسيق والتفاهمات الداخلية.
أما بالنسبة إلى رئيس «مجلس الدولة» الجديد، محمد تكالة، فالظاهر أن عمله سيكون مرتبطاً بمصير صالح على المستوى السياسي، خصوصاً أن تعديلات قوانين الانتخابات والنصوص تتطلّب موافقة مجلسَي «الأعلى للدولة» والنواب، من أجل اعتمادها للبدء في خارطة الطريق التي تحدد 240 يوماً كحدٍّ أقصى منذ صدور القوانين وحتى انتخاب رئيس وبرلمان بغرفتين. وفي الوقت الذي بدأ فيه تكالة بالتحرك والتواصل مع السفراء الغربيين والأطراف الإقليمية المعنية بالملف الليبي، فإن الرجل الفائز برئاسة المجلس بالانتخاب سيكون ملزماً بتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه سلفاً. وإذ يبدو، على أي حال، أن درجة التفاهم بين تكالة وصالح لن تكون كبيرة على غرار ما كان عليه الحال بين سلفه المشري ورئيس مجلس النواب، فإن الأول يفضّل إجراء الانتخابات في ظل حكومة الدبيبة لتجنّب إطالة الفترة الانتقالية.