القاهرة | مرّة أخرى، توشك الحكومة المصرية على تقديم طلب جديد للحصول على قرض إضافي من «صندوق النقد الدولي»، وذلك على خلفية استمرار التعثّر المالي والافتقار إلى العملة الصعبة. ويأتي هذا على الرغم من تصاعد أصوات الخبراء الاقتصاديين المصريين المطالبين بالتوقّف عن الاقتراض من الصندوق الذي يغرق مصر - كسائر دول العالم الثالث - بديونه المشروطة بما يسمّيه «إصلاحات اقتصادية» تسعى لخصخصة القطاع العام، وتثقل كاهل المواطنين، ولا سيما الشرائح الفقيرة، بمزيد من الأعباء الاقتصادية. وإذ يُنتظر أن يُقدَّم الطلب الجديد في غضون عام على الأكثر، فلن يتمّ ذلك قبل إنهاء المراجعتَين الثانية والثالثة الخاصّتَين بقرض الـ3 مليارات دولار الذي وافق عليه الصندوق نهاية العام الماضي، ويُفترض أن يُصرف على مدار 4 سنوات. وفي هذا الإطار، تعتزم الحكومة المصرية إجراء المراجعتَين المذكورتَين مع «النقد الدولي» قبل منتصف الشهر المقبل، من أجل الحصول على قيمة الشرائح الجديدة والتي تصل إلى نحو 700 مليون دولار، تأمل القاهرة في أن تزيد مخزونها من العملة الصعبة، وتُخفّف الضغط مرحلياً على اقتصادها، بما يمنحها فرصة أكبر في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية، وخصوصاً وسط استمرار الخلاف بينها وبين شركائها الخليجيين حول التقييم العادل للأسعار في ظلّ اضطراب سعر صرف الجنيه.
وكانت الحكومة بدأت بتنفيذ شروط «النقد الدولي» من أجل تلقّي قرض الـ3 مليارات، والتي تتمثّل في مراجعة عمليات الإنفاق وإيقاف تنفيذ أيّ مشاريع جديدة، وبيع أو تأجير عدد من أصولها الضخمة في العاصمة ومختلف المدن، لتحقيق عائد مادي لموازنة الدولة. ووفق الخطة الحكومية، التي جرت مناقشتها في الأيام الماضية، فإن القرض الجديد سيكون مرهوناً بتنفيذ بقيّة الضوابط في ما يتعلّق بتحرير سعر صرف الجنيه بشكل مرن أمام الدولار، وتوفير العملة الصعبة في البنوك، وتعزيز دور القطاع الخاص، وهو ما سيحضر على طاولة المناقشات المنتظرة بين بعثة «النقد الدولي» والمسؤولين المصريين.
الحكومة المصرية تسعى إلى إدخال شركاء أوروبيين في عمليات الاستحواذ


ومن غير المتوقّع أن تقلّ قيمة القرض الجديد عن مليار دولار، وهو رقم - وإن كان هزيلاً مقارنةً باحتياجات الحكومة - يهدف بشكل رئيس إلى طمأنة المستثمرين الدوليين في ما يتعلّق بقدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها، ولا سيّما في ظل المخاوف من تعثر الدولة عن الالتزام بالمستحقات المجدولة عليها في مواعيدها. ووفق مصادر حكومية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن الخطّة الحكومية «تتضمّن تعهّداً بتحرير سعر الصرف، لكن في الوقت المناسب، مع تأكيد قدرة البنك المركزي على توفير سيولة بالدولار في السوق، بالإضافة إلى تقليص الواردات بشكل كبير خلال الأشهر المقبلة، وتحويل العملة الصعبة التي كان يتمّ الاستيراد بها إلى سلع وأولويات بديلة، وهو أمر سيستغرق بعض الوقت». وسيتزامن ذلك، بحسب المصادر، مع تحديث لبيانات التضخّم المحتملة، و«التي ستؤكد استحالة الوصول» إلى هدفه المحدّد له عند حدود 7% في نهاية العام المقبل. وتضيف المصادر أن الحكومة تسعى الآن إلى «إدخال شركاء أوروبيين في عمليات الاستحواذ والاستثمارات، مع إبراز التقدّم الملحوظ في دعم النشاط الاستثماري، وتحقيق تكافؤ الفرص بين الاستثمارات الحكومية القائمة والاستثمارات القادمة من الخارج، والاستمرار في عملية ضبط حسابات الموازنة، وتنفيذ الخطط والأهداف الموضوعة بخصوص النقد الأجنبي». ويأتي هذا بينما برزت، في الأيام الماضية، المساعي الحكومية لجمع الدولارات من السوق الموازية، بعدما تدنّى سعر صرف الجنيه أمام الدولار الواحد إلى 40 جنيهاً مجدداً، مقابل بقائه ثابتاً في «المركزي» عند حدود 31 جنيهاً فقط. أمّا أسعار الذهب محلياً فقفزت إلى سعر 45 جنيهاً لكلّ دولار، في إطار سعي تجار الذهب للتحوّط من إجراء تحرير سعر الصرف المرتقب.
على خطّ موازٍ، بدأت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، مراجعة تصنيفها للبلاد بناءً على ما أحرزته الحكومة من تقدّم في الإصلاحات المعلنة، مقابل مؤشرات تزايد ضعف سيولة النقد الأجنبي. ويأتي ذلك في أعقاب تحذير الوكالة، في أيار الماضي، من المخاطر المتزايدة للديون السيادية، نتيجة تراجع السيولة والقدرة على تحمل الديون، والذي تلى تخفيض التصنيف إلى مستوى «B3» (مستوى أقلّ من تصنيف الدرجة الاستثمارية) في شباط الفائت. وبينما تتصدّر مصر قائمة الدول العربية المدينة لصالح «النقد الدولي»، وتُعَدّ الثانية عالمياً بما يتجاوز 20 مليار دولار، استطاعت الحكومة المصرية، حتى اليوم، أن تلتزم بسداد ديونها في مواعيدها المستحَقّة من دون تأجيل، وباقتراضات جديدة من مصادر بديلة، ولا سيّما مع ما يعرضه الصندوق من «إغراءات» متمثّلة في الفائدة المتدنية على القروض والتسهيلات في السداد، والتي يدّعي أنها تهدف إلى توظيف الأموال بشكل صحيح ضمن إجراءات «الإصلاح» الاقتصادي.