طرابلس | في مشهد يعكس حالة الهشاشة الأمنية في طرابلس، شهدت بعض مناطق العاصمة الليبية وضواحيها، يومَي الإثنين والثلاثاء، اشتباكات مسلّحة، بين مجموعتين تسعى كل منهما لفرض سيطرتها على المدينة. وبينما أسفرت الاشتباكات الدامية عن سقوط أكثر من مئتي شخص ما بين قتيل وجريح، فشلت محاولات التهدئة كافة من قبل الأطراف الداخلية في إخمادها لساعات، قبل أن ينجح وقف إطلاق النار. وبدأت الاشتباكات مساء الإثنين، بعدما ألقى جهاز «قوة الردع» القبض على قائد «اللواء 444»، العقيد محمود حمزة، خلال تواجده في «مطار معيتيقة الدولي»، والذي اعتُبِر بمثابة محاولة استفزاز لا يمكن السكوت عنها بالنسبة إلى اللواء المذكور، لتندلع المعارك لأكثر من 36 ساعة. و«اللواء 444»، الذي يُعَد أكثر القوى العسكرية تنظيماً، يتبع للواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يفرض سيطرته على جنوب العاصمة، ومدن مهمة في الغرب الليبي من بينها ترهونة وبني وليد، ويتولّى مسؤولية تأمين أجزاء كبيرة من الطريق البري الرابط بين العاصمة والجنوب. أمّا «قوة الردع»، الذي يسيطر على قاعدة «معيتيقة» العسكرية إلى جانب أجزاء كبيرة من طرابلس، فهو جهازٌ لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظّمة، مستقلٌّ عن وزارتَي الدفاع والداخلية، ويتبع لـ«المجلس الرئاسي» الليبي، ويُعتبَر من القوى المسلّحة النافذة في طرابلس. وبالنظر إلى ما بين الفصيلين من خلافات كبيرة وتاريخ من المواجهات العسكرية، يُنذر توقيت الاشتباكات باستحالة استكمال المسار السياسي القائم على التوجه نحو إجراء الانتخابات، من دون حلحلة وضع التنظيمات المسلّحة وفرض الأمن، خاصة مع عجز قوى الأمن الرسمية عن التعامل مع الموقف.وبالتزامن مع المعارك، برزت محاولات لإعادة فرض التهدئة من خلال مفاوضات، لعب رئيس «المجلس الرئاسي»، محمد المنفي، دوراً كبيراً فيها، لتتمخّض عن تسليم العقيد محمود حمزة إلى جهة محايدة. لكنّ حدّة الاشتباكات عادت لتتصاعد بعد تداول أنباء عن مقتله، وهو ما نفاه المنفي خلال عملية التفاوض التي باشرها بمساعدة مجموعة من مساعديه. وإلى جانب ضغوط رئيس «الرئاسي»، مارس رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، عبد الحميد الدبيبة، ضغوطاً على قائد «قوة الردع»، عبد الرؤوف كارة، أسهمت هي الأخرى في إقناعه بتسليم قائد اللواء لجهاز «دعم الاستقرار» باعتباره جهة محايدة من أجل إيقاف أي صدامات عسكرية على الأرض. وتمثّلت الضغوط بتحذيرات من تحميل «قوة الردع» مسؤولية أعمال العنف وما تبعها من اشتباكات أمام «المجتمع الدولي».
وبالرغم من أن الاتفاق، الذي أعلنته مجموعة من أعيان ليبيا في بيان متلفز، أكّد تنفيذ عملية التسليم، التي تعيّن بموجبها إيقاف جميع العمليات العسكرية، إلا أن الهدوء المفترض خرقته بعض الاشتباكات المتقطّعة وأصوات الأعيرة النارية التي تصاعدت بين الحين والآخر حتّى عصر أمس. وشمل الاتفاق، أيضاً، إعلاناً عن عودة كلّ الوحدات العسكرية إلى أماكن تواجدها الاعتيادية قبل الاشتباكات، مع تحميل الطرف المخالف المسؤولية عن خرق الهدوء، فيما لم يتّضح مصير قائد اللواء الموقوف، الذي كانت جرت عملية توقيفه بشكل مفاجئ ومن دون أي سند قانوني. وبالتوازي مع ذلك، باشر الدبيبة متابعة الوضع الأمني بنفسه، بعدما كانت الاشتباكات أدّت إلى توقف حركة الطيران في مطار «معيتيقة» بسبب أصوات الرصاص والأسلحة الثقيلة جراء الاشتباكات في المناطق القريبة. وبدأت وزارة الداخلية في حكومة «الوحدة»، بدورها، العمل على تأمين الطريق من وإلى المطار لتجنّب استمرار الاضطراب في حركة الملاحة الجوية، توازياً مع البدء بتنفيذ حصر شامل للخسائر المادية التي طاولت العشرات من منازل المدنيين.