بغداد | ما زال سعر صرف الدولار في السوق العراقية الموازية يشكّل قلقاً لدى الحكومة العراقية، على رغم الإجراءات المشدّدة التي نفّذها البنك المركزي للحدّ من تقلّبات سعر الصرف وتسرّب الدولار إلى الخارج عن طريق بنوك أو تجّار أو أفراد عبر المنافذ الحدودية. ويسجّل سعر الصرف في الأسواق الموازية ارتفاعاً يومياً مقارنة بالسعر الرسمي، الذي يبلغ 1320 ديناراً للدولار في الموازنة العراقية، فيما تطغى التعاملات الرئيسة في السوق المحلّية بالسعر الموازي، وذلك بسبب القيود المفروضة من البنك المركزي، وأبرزها الحوالات الخارجية. وألقت العقوبات الأميركية على 14 مصرفاً عراقياً، في شهر تموز الماضي، بظلالها على استقرار سعر الصرف، إلى جانب صعوبة توفّر الدولار عبر المنافذ المخصّصة للعملة، نتيجة المخاوف من ردّة فعل البنك المركزي وإمكانية إغلاقها من قِبل السلطات الأمنية. وفي هذا السياق بالذات، يأتي تأكيد محافظ البنك المركزي العراقي، علي العلاق، في مقابلته مع وكالة «رويترز» قبل أيام، أن العراق «قطع شوطاً طويلاً في تطبيق القيود على المعروض من الدولار الأميركي، ومنع تهريبه إلى دول إقليمية مجاورة»، واعتباره أن «هذه معركة شاقة في ظلّ نظام مصرفي غير معتاد على الرقابة الصارمة، وتمسّك مهرّبي العملة بنشاطهم المستمر». ولوّح العلاق، الذي لا يملك معلومات عن حجم الدولارات التي تخرج من العراق إلى أيّ بلد مجاور ومنها تركيا وسوريا وإيران، بأن «البنك المركزي يُجري مراجعة للقطاع المصرفي وسيطبّق لوائح وقواعد جديدة، قد تؤدّي على الأرجح إلى إغلاق بعض البنوك الخاصة»، مشيراً إلى أن «احتياطيات العراق تزيد عن 100 مليار دولار، لكن البنك لا يمكنه التدخّل بحرية في السوق لخفض سعر الصرف بسبب القيود». ووصف ما يجري بأنه «معركة فعلاً، لأن المستفيدين من هذا الوضع والمتضرّرين من الإجراءات الجديدة سيحاولون بشتّى الطرق مواصلة أنشطتهم غير الشرعية».
ويوضح نائب محافظ البنك المركزي، عمار حمد، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الغاية من تلك الإجراءات المشدّدة التي يتّبعها البنك المركزي هي تحقيق استقرار سعر صرف الدولار مقابل الدينار، وذلك من خلال فرض القيود على المصارف التي تتعامل بالأسعار غير الرسمية»، لافتاً إلى أن «البنك لديه منصّة إلكترونية، ومن خلالها يستطيع التاجر والمواطن أخذ الدولار لشراء السلع والخدمات من خارج القطر». ويشير حمد إلى أن «التجّار يلجؤون إلى السوق لشراء العملة بسعر أعلى بكثير من السعر الرسمي، وهذا ما يثير استغرابنا وتوجّسنا من عمليات المضاربة التي تسبّبت بارتفاع سعر صرف الدولار حالياً»، معتبراً أن «الإجراءات المتّبعة في الوقت الحالي، ستقطع الطريق أمام المتلاعبين بالعملة في السوق السوداء، وبالتالي سينعكس ذلك إيجاباً على استقرار سعر الصرف في السوق».
من جانبه، يرى عضو اللجنة المالية النيابية، محمد نوري، أن «جميع إجراءات البنك المركزي ليس لها أثر على استقرار سعر صرف الدولار، خاصة في ظلّ وجود سعر موازٍ يهمين على حركة السوق ومبيعاتها اليومية». ويؤكد نوري، لـ«الأخبار»، أن «عملية تهريب العملة إلى خارج العراق ما زالت مستمرّة من قِبل عصابات تحميها الأحزاب، وكذلك من خلال مصارف تتحكّم بعمليات بيع الدولار في السوق وتهريبه إلى دول مجاورة». ويشير إلى أن «الحُزَم التي أطلقها البنك المركزي لمعالجة ارتفاع سعر الصرف لم تنجح في تحقيق الاستقرار فيه»، مضيفاً أن البنك «يعجز عن وضع الحلول المنطقية والحقيقية للسيطرة على الدولار الموجود في السوق المحلية». ولا يستبعد وجود جهات خارجية وداخلية تتحكّم بأزمة الدولار، بعيداً عن سيطرة البنك المركزي وإرادته وقراراته بهذا الشأن.
فرض القيود على المصارف التي تتعامل بالأسعار غير الرسمية للدولار


وكان كشف تقرير استقصائي، لموقع «ميدل ايست آي» البريطاني، خلال شهر شباط الماضي، أنه يتمّ يومياً تهريب 70 مليون دولار أميركي عن طريق منفذ إبراهيم الخليل الحدودي بين إقليم كردستان شمالي البلاد وتركيا، ما يساوي مليارَين و200 مليون دولار شهرياً، و25 ملياراً و200 مليون دولار كلّ عام. وفي هذا السياق، يشير القيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، بريار رشيد، إلى أن «مبالغ ضخمة من الدولار يتمّ تهريبها يومياً إلى تركيا عبر المنافذ الحدودية لإقليم كردستان، ومنها ترسَل إلى دول أخرى، وهذا من الأسباب المهمّة لعدم استقرار سعر صرف الدولار». ويلفت رشيد، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «محافظ البنك المركزي اتّصل بحكومة الإقليم، لطلب منع تهريب الدولار من منفذ إبراهيم الخليل إلى تركيا، والتعاون مع البنك المركزي لفرض استقرار سعر الدولار»، متابعاً أن «الإجراءات الحالية المعمول بها من قِبل البنك المركزي، وأيضاً من حكومة الإقليم، تسير في اتّجاه منع تهريب العملة، لكن في الوقت نفسه، هناك عصابات لها نفوذ سياسي يساعدها على تهريب الدولار إلى بلدان حدودية أخرى».
ومطلع شهر آب الحالي، أعلن رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، الإطاحة بشبكة تضمّ كبار المضاربين بالدولار، على يد الأمن الوطني، موضحاً أن «الشبكة لها صلات بأخرى في كردستان وهي المسؤولة عن رفع أسعار الصرف يومياً في البلاد». لكن الباحث في الشأن الاقتصادي، حيدر الشيخ، يعتقد أن «عملية تهريب الدولار من العراق إلى الدول الإقليمية مستمرّة سواءً أكانت بصورة رسمية أو غير رسمية». ويقول الشيخ، لـ«الأخبار»، إن «التهريب يكون بالطرق الرسمية من خلال قيام بعض التجّار بتقديم فواتير غير حقيقية لشراء البضائع من الخارج، تصل قيمة بعضها إلى 5 ملايين دولار، ويتمّ ذلك من خلال مبيعات البنك المركزي العراقي إلى خارج العراق تحت مسمّى حوالات واعتمادات». ويبيّن أن «الطريقة الأخرى لتهريب العملة هي قيام بعض الأشخاص والتجار بشراء الدولارات من بعض المصارف الأهلية وشركات الصرافة، وأيضاً من السوق الموازية (السوداء) بسعر يزيد عن السعر الرسمي بنسبة 10%، وبالتالي كلّما ازدادت عملية الطلب على الدولار من قِبل المهرّبين يرتفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، إلى أن أصبح اليوم 1530 ديناراً». وينبّه إلى أن «استمرار عملية تهريب الدولار من العراق إلى الدول الإقليمية سيتسبّب بخسارة في قيمة الدينار، وقد يصل الأمر في نهاية العام الجاري إلى صدور قرار من الاحتياطي الفيدرالي والخزانة الأميركية بفرض قيود جديدة على مصارف عراقية سواء أكانت حكومية أو أهلية بتهمة تهريب الدولار إلى الخارج».