يبدو جلياً أن ضغط المملكة على الولايات المتحدة يتّجه إلى إعطاء ثماره
في خضمّ هذه التحوّلات، يرى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن بلاده لا تقلّ في مكانتها وإمكاناتها وتطلّعاتها عن أي دولة إقليمية ذات علاقة خاصة جداً مع الولايات المتحدة، وتحظى برعايتها الأمنية والعسكرية والسياسية. وانطلاقاً من ذلك، وأخذاً في الاعتبار أن التهديدات المحدقة بالمملكة من شأنها أن تشكّل تحدياً لنظامها، خصوصاً في حال تصاعدها إلى مستويات استراتيجية، في ظلّ انكفاء الولايات المتحدة عن معالجة مصادر التهديد تلك، ومساعيها إلى التعايش معها، وعلى رأسها التهديد الإيراني، يسعى ابن سلمان إلى التأثير في الموقف الأميركي، وهو ما يبدو أنه نجح فيه، من دون أن يتضح مستوى النجاح إلى الآن. وتَوزّع هذا الضغط في أكثر من اتجاه: الأول، تخفيف حدة الصراع مع الجانب الإيراني، من دون تغيير الموقف الفعلي المعادي تجاه إيران؛ والثاني، التمهّل في التطبيع مع إسرائيل؛ والثالث، التقارب من روسيا والصين، بما لا تُحمد عقباه أميركياً في حالة تماديه. وفي إطار تلك المحدّدات، أتت «المهادَنة» مع إيران، والزيارات واللفتات الشكلية إلى سوريا، وتسكين الملف اليمني الذي تحوّل بشكل كلّي تقريباً إلى الجانب الأميركي. أمّا في الداخل السعودي، فباتت قبضة ابن سلمان كاملة ومُطلقة، في ظل تحييد مصادر التهديد الداخلي سواء من داخل العائلة الحاكمة أو من خارجها، بالإضافة إلى تهميش المؤسسة الدينية وإضعاف دورها وتأثيرها، وهو ما من شأنه أن يدفع واشنطن إلى التفكير المسبق بالعواقب، في حال قرّرت «اللعب في وجه» ابن سلمان داخلياً، لفقدانها الخيارات البديلة الناجعة.
ويبدو جلياً أن ضغط المملكة على الولايات المتحدة يتّجه إلى إعطاء ثماره، إلا أن نوعية هذه الثمار تشكّل موضع الخلاف الحالي، ومن ضمنها التطبيع مع إسرائيل، والذي سيكون نتيجة، وليس سبباً، للمفاوضات القائمة، وهو خلافاً للطريقة الإماراتية أو البحرينية، سيندرج ضمن «سلّة واجبات وحقوق» ذات مغزى. إذ حتى تمضي السعودية فيه، فهي تطالب الولايات المتحدة بضمان أمن نظامها أمام أي تحدٍّ أو تهديد، مع تعظيم شأنها تسليحياً وصناعياً، بما يمكّنها من الثبات أمام التهديدات الإيرانية ومقارعتها. وفي حال اتّجهت طهران نحو إنتاج السلاح النووي، يتطلّب ذلك من واشنطن السماح للرياض ببرنامج نووي مدني، مع اشتراط أن يكون تخصيب اليورانيوم في الأراضي السعودية، بما يمكّنها لاحقاً من التحوّل سريعاً إلى السلاح النووي لموازنة التهديد الإيراني، وهو ما جاهر به ولي العهد، أكثر من مرة، من بينها في عام 2018، عندما قال: «لا نسعى للحصول على أسلحة نووية. ولكن من دون أدنى شك، إذا طوّرت إيران مثل هذه القنبلة، فإن المملكة العربية السعودية ستفعل ذلك في أسرع وقت ممكن». وفي الاتجاه نفسه، قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، لاحقاً: «إذا حصلت إيران على قنبلة نووية، فكل شيء سيكون ممكناً». وفي سياق مطالباتها تلك، تلوّح السعودية بعدم المشاركة الفاعلة في أي استراتيجية احتواء أو تعايش أو مقارعة ضد إيران، كما بإمكانية الاستعانة بروسيا أو الصين للوصول إلى التسليح، الأمر الذي جرى الاتفاق والتوقيع عليه بالفعل مع الجانب الصيني.