طرابلس | على غير عادته، قدّم المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، إحاطة هادئة أمام مجلس الأمن الدولي، خلت من توجيه الانتقاد إلى شخصيات ليبية بتهمة عرقلة العملية الانتخابية، ورأى هذه المرة أن الفرصة ستكون سانحة لإجراء الانتخابات، منتقداً في الوقت نفسه هشاشة الوضع الأمني في طرابلس. وحذّر باتيلي من عدم الوصول إلى اتفاق سياسي شامل يمهّد الطريق نحو الانتخابات بشكل سلمي وبشفافية، مجدّداً مطالبة أعضاء المجلس باستخدام نفوذهم لضمان الالتزام الكامل بالتفاوض من جانب القادة الليبيين، على رغم أنه باتت واضحةً استحالة إجراء الانتخابات بحلول نهاية العام الجاري. وتناول حديث باتيلي، الذي خالف المتوقّع بالنظر إلى خلافاته العلنية مع عدد من السياسيين الليبيين، ومنهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، التفاهمات التي جرت خلال الفترة الماضية، وأسفرت عن توحيد المصرف المركزي، وتحقيق تقارب بشأن مقترحات الانتخابات والتعديلات المطلوبة على قوانينها. في هذا الوقت، عادت لجنة «6+6»، المُشكّلة من مجلس النواب والمجلس «الأعلى للدولة»، لتباشر عملها في إعادة النظر في التشريعات القانونية المنظّمة للعملية الانتخابية، استجابةً للملاحظات المكتوبة التي قُدّمت إليها خلال الفترة الماضية. ومن المتوقّع أن تنتهي اللجنة من بحث التعديلات نهاية الشهر الجاري، لترفع مقترحاتها إلى مجلس النواب من أجل التصويت عليها وإمرارها، على أن يعقب ذلك إمرار القوانين في «الأعلى للدولة»، ولتباشر مفوضية الانتخابات، إثر تلك الخطوات، إجراءاتها العملياتية. وعلى الرغم من غياب رؤية توافقية لشكل الحكومة التي ستقوم بالتحضير والإشراف على العملية الانتخابية، فإن مفاوضات سرية تجرى في الوقت الراهن في محاولة لتقريب وجهات النظر على أساس اتفاق الصخيرات باعتباره المرجع الرئيس للعملية السياسية، والذي يشترط موافقة المجلسَين بتشكيلهما الحالي على الحكومة التي سيُسند إليها التحضير للاستحقاق.
على خطّ موازٍ، يستعدّ «المجلس الرئاسي» لعقد اجتماعات اللجنة التحضيرية للمصالحة، والتي ستبدأ أولى جلساتها الأسبوع المقبل في مدينة البيضاء، شرق البلاد، ويحظى نشاطها بدعم أممي واضح من أجل إنهاء الاقتتال الأهلي في البلاد بشكل نهائي. وتأتي تحركات رئيس المجلس، محمد المنفي، هذه، بعد أيام من الاجتماع الذي نجح في عقده بين رئيس البرلمان واللواء المتقاعد خليفة حفتر، للمرّة الأولى منذ فترة طويلة في بنغازي، وسط مناقشات حول إمكانية دمج حكومة «الوحدة» بقيادة عبد الحميد الدبيبة، والحكومة المشكَّلة من البرلمان والتي يرأسها الآن أسامة حماد، كبديل من التوجّه إلى تشكيل حكومة جديدة، وخاصة أن استمرار الخلافات بين البرلمان و«الأعلى للدولة» حول قوانين الانتخابات سيجعل من الصعب للغاية التوافق على حكومة جديدة. والجدير ذكره، هنا، أن تحركات المنفي الأخيرة من شأنها أن تمنحه ثقلاً إضافياً، وخاصة بعد تشكيله «اللجنة المالية العليا» التي سيجري من خلالها تقاسم الإيرادات بشكل عادل بين الأقاليم المختلفة، ما ينهي جزءاً رئيساً من الخلافات المالية، في ظلّ قبول مجلس النواب الإبقاء على المحافظ، الصديق الكبير، على رأس المصرف المركزي، بعد فشل عدّة محاولات لإطاحته خلال الفترة الماضية.
أمّا عسكرياً، فوصل نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكيروف، إلى بنغازي، شرق البلاد، للقاء حفتر، الذي حظي بدعم واضح من موسكو خلال السنوات الماضية، وقام بزيارات متكرّرة لروسيا، واستضاف في مناطق سيطرته قوات من مجموعة «فاغنر» الروسية. وتأتي زيارة يفكيروف بالتزامن مع توتر متصاعد على خلفية الأنباء عن تعزيز الانتشار التركي في ليبيا بالتنسيق مع حكومة الدبيبة، وتحديداً في ميناء الخمس الذي شهد وصول قطع بحرية تركية بالفعل. وعلى خلفية ذلك، انتشر بيان مجهول المصدر يدعو إلى «انتفاضة شعبية مسلّحة» ضدّ الوجود العسكري التركي، من دون أن يتّضح من يقف خلف هذه الدعوة. والجدير ذكره، هنا، أن تركيا ترتبط بعلاقات قوية مع حكومة الدبيبة بموجب اتفاقات وُقّعت بين الجانبين في مجال التعاون العسكري، وسمحت بوجود عسكري تركي على الأراضي الليبية.