الخرطوم | وصلت المعارك بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» إلى مراحل حاسمة، وسط استمرار مواجهات هي الأشرس بينهما في محيط معسكر سلاح المدرّعات ومجمع الذخيرة، في حيّ الشجرة جنوب الخرطوم، وإصرار «الدعم» على الاستيلاء على المقرّ الذي يمتدّ على مسافة تزيد على خمسة كيلومترات، ويستضيف مئات الدبابات والمركبات المدرّعة وقوّة مشاة يُقدّر عديدها بالمئات. وإلى جانب مقتل عشرات المدنيين، وجرح المئات، جرّاء القصف المتبادل، تسبّبت المعارك بنزوح مئات الأُسر من الأحياء القريبة من المعسكر. ويمثّل سلاح المدرعات القوّة الضاربة في الجيش السوداني، وفيه دبابات حصل عليها من روسيا وغيرها من دول أوروبا الشرقية والصين. ففي عهد الرئيس المعزول، عمر البشير، ضَمّ سلاح المدرعات 7 ألوية، مستفيداً من نجاح الجيش في تصنيع الدبابات من خلال منظومة الصناعات الدفاعية. وفيما تضاربت الأنباء حول الوضع في المعسكر، وسط المعارك المستمرّة منذ ثلاثة أيام، أعلن الجيش السوداني، في بيان، أن قواته أَفشلت عدداً من هجمات «الدعم» للسيطرة على المعسكر، وكبّدت «الميليشيات المتمرّدة» خسائر ضخمة في الأرواح، فضلاً عن تدمير عشرات الآليات العسكرية الثقيلة، ما أدى إلى «فرار» هذه القوات، لافتاً إلى أن القوات المسلّحة «تبسط حالياً كامل سيطرتها على سلاح المدرعات، وهي في كامل الجاهزية للتصدّي لأيّ محاولات جديدة». ولفت إلى استخدام «الدعم»، أثناء الهجوم، أطفالاً قُصَّراً وصغار السن، في «انتهاك مستمرّ للقانون الدولي الإنساني»، كما أضاف.وفي المقابل، قال المسؤول الإعلامي في «الدعم السريع»، نزار سيد أحمد، إن الأخيرة «استطاعت السيطرة على المعسكر بنسبة أكثر من 80%»، مضيفاً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «المتبقّي من المعسكر جيوب صغيرة، وربّما خلال الساعات المقبلة تتمّ السيطرة الكاملة عليه». وتابع سيد أحمد أن «الدعم» استولت على أكثر من 120 دبابة ومدرّعة وما يفوق الـ160 مركبة عسكرية، وأَسرت مئات الجنود، بينهم ضباط، مدّعياً أنه «جرى تحرير عدد كبير من المدنيين كانوا محتجزين في معسكر المدرعات وهم في حالة إنسانية سيئة بسبب التعذيب والتجويع والعنف الجسدي والنفسي، ما يشكّل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني»،بحسب المصدر نفسه.
أصبحت مدينة كادوقلي، عاصمة جنوب كردفان، ضمن المدن المتأثّرة بالحرب


لكنّ الخبير العسكري، علي ميرغني، قال إن«كل مؤشرات الاشتباكات العسكرية في الخرطوم، في الوقت الحالي، تؤكد تقدُّم الجيش»، مضيفاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المراقب لسير العمليات يلاحِظ المراحل التي عمل فيها الجيش على: صدّ الهجوم واستيعابه، ثم التحوّل إلى الدفاع، ثمّ في مرحلة لاحقة استنزاف قوات الدعم في المعدات والأفراد عبر استخدام المدفعية والطيران، متجنّباً الاشتباك المباشر معها». ميدانيّاً أيضاً، وقعت اشتباكات عنيفة بين الجانبَين في مدينة أم درمان غرب الخرطوم، وتحديداً في مناطق جنوب وغرب مقرَّي الاحتياطي المركزي، والمهندسين العسكريين. وفي ولاية جنوب دارفور، أعلن الجيش تصدّي «الفرقة 16 مشاة»، في نيالا لهجوم قوات «الدعم»، وتكبيدها خسائر فادحة في الأفراد والمعدّات. وفي هذا الإطار، أفاد الناطق باسم القوات المسلحة، العميد نبيل عبدالله، في حديث إلى «الأخبار»، بأن «جميع المواقع العسكرية والحاميات في ولايات جنوب وغرب كردفان ودارفور، باتت الآن تحت سيطرة الجيش. ولن تستطيع قوات الدعم السريع الاستيلاء عليها». لكنّ نزار سيد أحمد قال، لـ«الأخبار»، إن «المعارك العسكرية في نيالا لا تزال مستمرة، وهناك تقدُّم كبير لقوات الدعم»، متوقّعاً تحقيق «المزيد من الانتصارات قريباً». وحول المعارك في نيالا، قال الخبير العسكري، ميرغني، إنها «غير واضحة بسبب غياب المعلومات المؤكدة من ساحة المعركة»، وإنْ لفت إلى أنه «إذا تماسكت الفرقة 16 حتى اكتمال الهجوم الكبير في الخرطوم، فقد يبدأ الجيش في استهداف قوات الدعم السريع بالطيران الحربي لإسناد القوات المسلحة في نيالا، ما يعني تحوّلاً كبيراً في ميزان القوى العسكرية».
في هذا الوقت، أصبحت مدينة كادوقلي، عاصمة جنوب كردفان، ضمن المدن المتأثّرة بالحرب، وذلك عقب قيام «الحركة الشعبية»، بقيادة عبد العزيز الحلو، بفتح جبهة جديدة للقتال هناك، نهاية الأسبوع الماضي. وقال الجيش إنه «صدّ هجوماً على مدينة كادوقلي، وكبّد الحركة الشعبية خسائر في الأرواح والمعدّات، هو الثالث من نوعه على المدينة». ويقود الحلو، «الحركة الشعبية - شمال»، الممثّلة لقبيلة النوبة التي تسيطر على مناطق في جبال النوبة وفي ولاية جنوب كردفان، ومقرّها الأساسي في منطقة كاودا على الحدود بين السودان وإثيوبيا. وفي هذا السياق، رجّح ميرغني أن تكون «جهة ما دفعت الحركة الشعبية إلى تنفيذ الهجوم»، مشيراً إلى «وجود عداوات مسبقة بين الحركة والدعم السريع»، محذّراً أيضاً من أن «خروج قوات الحلو للقتال بعيداً من مناطقها الحصينة في كاودا، يُعدّ خطوة ستفقد الحركة أهمّ نقاط تفوّقها، وهي الأرض الوعرة (الكراكير)، ما من شأنه أن يُحدث تغييراً كبيراً في ميزان القوى لمصلحة القوات المسلّحة المتمركزة في كادقلي». واستبعد ميرغني أن تكون «قوات الحلو تريد السيطرة على كادقلي، لأن ذلك له تبعات أخرى ستتحمّلها هي، من مِثل توفير الغذاء والخدمات الصحية لسكان المدينة، بل حتى قواته في منطقة كاودا ستتأثّر، لأن سقوط كادوقلي يعني توقّف الإمداد من كلّ السلع الاستراتيجية كالمحروقات والمواد الغذائية والأدوية الطبية وجميعها يأتي من الخرطوم، كما أن موسم الأمطار سيؤدّي إلى انقطاع الطرق المرتبطة مع دولة جنوب السودان».