على بُعد شهرين من انتخابات المجالس المحلّية في الأراضي المحتلّة عام 1948، والتي تستحق نهاية تشرين الأول المقبل، تقف البلديات الفلسطينية على عتبة الفوضى والمصير المجهول، بعدما حجب وزير المالية، والوزير في وزارة الأمن الإسرائيلية، بتسلئيل سموتريتش، هِبات مالية كانت أقرّتها الحكومة السابقة لهذه البلديات. وأتى ذلك بموازاة تصاعد الهجمة الهادفة إلى تفكيك المؤسسات التي تدير شؤون فلسطينيّي الداخل، وهو ما تُرجم بتفاقم تحريض أنصار اليمين الاستيطاني الديني على قتل وملاحقة شخصيات فاعلة وطنياً، وقيادات محلّية وهيئات جماهيرية تمثيلية كـ«لجنة المتابعة»، وتزايد التهديدات اللفظية والجسدية التي استهدفت أكثر من رئيس وعضو حالي فضلاً عن مرشّحين لخلافتهم، فيما طاولت ماكينة الجريمة المنظّمة المُدير العام لبلدية الطيرة، عبد الرحمن قشّوع، وهو أحد أعضاء مجلس شورى «الحركة الإسلامية الجنوبية»، والذي قُتل إثر تعرّضه لإطلاق نار. أيضاً، شهدت بلدة أبو سنان في الجليل الغربي مجزرة راح ضحيّتها المرشح لرئاسة البلدية، غازي صعب، وثلاثة آخرون كانوا برفقته، إثر استهداف ملثّم لهم بالرصاص.وكان رئيس كتلة «الصهيونية الدينية»، سموتريتش، المعروف بمواقفه العنصرية والعدائية تجاه الفلسطينيين، قرّر حرمان السلطات المحلّية الفلسطينية من ميزانياتها بدعوى أنها «أموال سياسية»، أُقرّت «نتيجة تحالفات الحكومة السابقة مع القائمة العربية الموحّدة بقيادة منصور عباس»، مدّعياً، في وقت سابق مطلع الشهر الحالي، أن تحويل تلك الأموال البالغة قيمتها 200 مليون شيكل «فاقد للاعتبارات المهنية». وتشكّل الهِبات المُجمّدة حوالي 20 - 25% من ميزانيات البلديات الفلسطينية التي تفتقر إلى أيّ مداخيل من مناطق صناعية وتجارية، وتعتمد بشكل رئيس على تحويلات الوزارات للإنفاق على خدمات التعليم والرفاه والصحة وغيرها، فيما خدمات أخرى كالبنى التحتية والإضاءة تستند في تأمينها - نظرياً - إلى هِبات الموازنة و«الأرنونا» أو ضريبة الأملاك المبنيّة. لكن بالنظر إلى أن الفلسطينيين يتخلّفون عن دفع هذه الضريبة بسبب وضعهم الاقتصادي الصعب، فإن الهِبات تُعدّ الشريان الرئيس الذي يتيح توفير الخدمات المشار إليها. ويعني ما تَقدّم، أن قرار سموتريتش سيؤدّي إلى شلّ البلديات كليّاً، بعدما خطّطت هذه الأخيرة برامجها المستقبلية اعتماداً على الهِبات المنتظَرة، ولم تتوقّع الاصطدام بهكذا قرار، يبدو أنه سيسري على الرغم من معارضة وزراء في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي له.
على خلفية ما تَقدّم، نظّم رؤساء السلطات المحلّية الفلسطينية وموظّفوها سلسلة من الاحتجاجات، بينها تظاهرات قُطرية أمام مكتب رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في مدينة القدس المحتلّة، حيث نصبوا خيمة احتجاجية، ولم يَسلموا من عنف الشرطة التي اعتدت عليهم، واعتقلت منهم رئيس بلدية المزرعة، فؤاد عوض، في التظاهرة التي نُظّمت يوم الإثنين المنصرم، ولحقها إضراب احتجاجي شامل عمّ جميع السلطات المحلية في البلاد. ويؤكّد مدير عام مكتب اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلّية العربية، عبد عنبتاوي، لـ«الأخبار»، أن هذه الخطوات الاحتجاجية ستستمرّ، مضيفاً أن «اللجنة القُطرية وطاقمها النضالي يصِرّان على ضرورة تحقيق مطالبها كافة، وفي حال عدم تراجع الحكومة وعدم تجاوبها مع مطالبنا الحقوقية العادلة والطبيعية، سنصعّد إجراءاتنا الاحتجاجية والنضالية، بما فيها تنظيم سلسلة تظاهرات عند مختلف مفترقات الطرق الرئيسة في جميع أنحاء البلاد، وصولاً إلى عدم افتتاح السنة الدراسية الجديدة، وإعلان الإضراب المفتوح والشامل في جميع السلطات المحلّية العربية، في بداية أيلول المقبل».
البلديات الفلسطينية التي تفتقر إلى أيّ مداخيل من مناطق صناعية وتجارية، وتعتمد بشكل رئيس على تحويلات الوزارات


من جهته، يلفت رئيس بلدية كفر ياسيف في الجليل الغربي، شادي شويري، في حديث مع «الأخبار»، إلى أن «الغالبية الساحقة من سلطاتنا المحلّية هي من أفقر السلطات في البلاد؛ إذ تقع في أدنى سلّم التدريج الاجتماعي - الاقتصادي (أي في العناقيد 1-3، فيما العنقود العاشر أعلى مستوى اقتصادي - اجتماعي)»، مضيفاً أنه «لا توجد في بلداتنا مناطق صناعية بإمكانها درّ المال على صناديق البلديات، فضلاً عن أن سلطاتنا المحلّية تعتمد في موازنتها على الهبات الحكومية. وبالتالي، فإن هذه الميزانيات الجديدة، سواءً تلك التي أُقرّت بموجب خطة 922 أو خطة 550 الحكوميتين، هي ميزانيات حيوية، ومن دونها لن تتمكّن سلطاتنا من تقديم خدماتها، ما يعني أنها ستدْخل في عجز مالي يُفقدها المقدرة على تأدية المهام وتقديم الخدمات البلدية للمواطنين». وعدّ قرار سموتريتش بمثابة «ضربة قاصمة لبلدياتنا ومجالسنا المحلّية التي تعاني من العجز المالي»، واصفاً الشروط التي يضعها لإعادة الهبات بأنها «تعجيزية»، مفنّداً ادّعاءه، الذي اعتبره «عذراً أقبح من ذنب»، بأنه «يتوجّس وصول هذه الميزانيات إلى منظّمات إجرامية»، بأن «الحكومة والشرطة الإسرائيليتين تتقاعسان في أحسن الأحوال عن كبح جماح منظّمات الإجرام، لا بل توفّران لها الحماية، ثمّ يأتي وزير ويقول إنه يخاف من أن تصل هذه الميزانيات إلى منظّمات الإجرام. إنه كلامٌ من باب "رماه في اليمّ مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتلّ بالماء"». وحول قمع الشرطة للتظاهرات، يرى شويري أن «هذه الحكومة بتركيبتها الألترا عنصرية تتعامل معنا كأعداء وطابور خامس، وهو ما ينعكس في قمع الشرطة لتظاهرتنا أمام مكتب رئيس الحكومة، حيث كان هناك عنف همجي، واعتُدي بالضرب على الكثير من المشاركين والمشاركات ومن بينهم النائب أيمن عودة»، مضيفاً أن «تعامل الشرطة معنا كان ولا يزال عنصرياً مقيتاً، ويكفي أن نقارن بين تعاملها بأكفّ من حرير مع المتظاهرين ضدّ الانقلاب القضائي، وبأكفّ من حديد مع تظاهرة عربية تطالب بأبسط الحقوق».
ويَعتبر شويري أن «الشرطة ليست متقاعسة فقط في علاج الجريمة والمجرمين والانفلات الأمني في بلداتنا كافة، إنما هي شريكة في كلّ ذلك، باستثمارها في هذا الواقع، من أجل فرض مزيد من السيطرة على الفلسطينيين في البلاد، وبذلك تجعل سقف مطالبنا هو الأمن والأمان، كي ننسى أن لنا حقوقاً قومية ومدنية، بل ونبدأ بالتفكير في الهجرة وترك موطننا». ويؤكد أن «ردّنا هو الضغط على متّخذي القرار، للإيعاز إلى الشرطة باتّخاذ التدابير التي من شأنها القضاء على المنظّمات الإجرامية. فلا شك أن من قضى على الجريمة في نتانيا بإمكانه القضاء عليها في بلداتنا الصغيرة»، مضيفاً أنه «إذا ما استمرّ هذا الوضع فلا مفرّ من التصعيد. إذ إننا اليوم نطالب بأبسط حقوقنا، وهو حقنا في الأمن والأمان لنا ولعائلاتنا ولأولادنا، وهذه المعركة بالنسبة إلينا هي أمّ المعارك ويهون في سبيلها كلّ شيء».