من المتعذّر الفصل بين قرار الجهاز الأمني الإسرائيلي اعتماد تكتيك دعائي جديد، يقوم على ربط ما يقوله عن مساعي «حزب الله» لإمداد فلسطينيين بالأسلحة والعبوات داخل الخط الأخضر، وبظاهرة الجريمة في الوسط العربي، ومحاولة القيادة الإسرائيلية وأجهزتها، التنصّل من المسؤولية عن إنتاج هذه الظاهرة وتفاقمها. وفي هذا السياق، أتى بيان «الشاباك»، الذي تعمّد الخلط المدروس بين ما ادّعاه من العثور على أسلحة وعبوات ناسفة مع 4 فلسطينيين من سكان كفرقاسم واللدّ، تم اعتقالهم، و«أهداف جنائية» تتّصل بالجرائم المتصاعدة وسط فلسطينيي الـ48. وهدف «الشاباك» (الذي يخضع (مع الموساد) مباشرة لرئيس الحكومة)، التصويب على «حزب الله» وفلسطينيي الـ48 على حدّ سواء، وفي الوقت نفسه إلى التعمية على السياسات الإسرائيلية التي أنتجت ذلك الواقع، على مرّ سنوات طويلة، حتى بلغت أعداد ضحايا الجريمة في المجتمع العربي منذ مطلع هذا العام، 158 ضحية، في حين أن الرقم بلغ في السنة الماضية كلها 111.الواقع أن مسؤولية الحكومات الإسرائيلية عن الواقع الفلسطيني بكل عناصره الاجتماعية والسياسية والحقوقية، أوضح من أن تكون بحاجة إلى الاستدلال، وهذا ما تقرّ به العديد من التقارير الإعلامية الإسرائيلية، إذ تؤكد صحيفة «هآرتس» (24/8/2023)، مثلاً، أن «مَن أباح حيوات المواطنين العرب هو حكومات إسرائيل المتعاقبة»، مسلّطةً الضوء في مقالة باسم «هيئة التحرير» فيها، على السياسات التي تعتمدها الحكومة إزاء الوسط العربي، معتبرةً أنه «من غير الممكن الفصل بين الإجرام المنفلت، ومحاولة تجويع السلطات المحلية العربية من حيث الميزانيات»، خاصة في ظلّ وزير مالية عنصري، يترأّس «حزب الصهيونية الدينية»، و«يجتهد لجعل وضع مواطني إسرائيل العرب أكثر سوءاً».
وفرض تفاقم مستوى الجريمة في الـ48، نفسه على الخطاب السياسي لكبار المسؤولين. وفي هذا الإطار، اعتبر الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، أن «المواطنين العرب يعيشون في ظلّ الخوف والقلق والتهديد»، وأن الأمر بلغ مستوىً يتطلّب إعلان «حالة طوارئ». وفي السياق نفسه، أتى حديث وزير الأمن الإسرائيلي السابق، ورئيس حزب «المعسكر الوطني»، بني غانتس، عن أن «المجتمع العربي ينهار، ورئيس الحكومة مشغول بالتصريحات الفارغة».
إزاء ما تقدّم، كان من الطبيعي أن تحاول الأجهزة الأمنية والقيادة السياسية «التشويش» على حقيقة هذا المشهد، وتمويه من يقف وراءه وأهدافه وخلفياته، وهو ما دلّ عليه إقحام «الشاباك»، «حزب الله»، في المسألة في هذه المرحلة بالذات، كجزء من سياسة حرف أنظار المجتمع الفلسطيني عن مسؤولية السياسات الرسمية لحكومات العدو المتعاقبة، عن تفاقم مستوى الجريمة بين الفلسطينيين، علماً أن تلك الحكومات نفسها نجحت في جعل هذه النسب أقل بكثير بين اليهود. وهذا ما أشارت إليه «هآرتس» أيضاً، بشكل مباشر وصريح، بقولها إن «الفقر والجريمة يدخلان لملء هذا الفراغ الذي ينشأ عندما تتخلّى الدولة عن مواطنيها. الجريمة ليست السبب في غياب الحَوكمة، بل هي نتيجة له». وحذّرت من أن استمرار «حكومة الكهانيين (نسبة إلى الحاخام المتطرّف مئير كاهانا الذي كان يدعو إلى ترحيل الفلسطينيين) في هذا المسار، قد يدفع نحو انهيار السلطات المحلية العربية، وجني فوضى الفقر والإجرام».
عمد «الشاباك» الى إقحام «حزب الله» في مسألة الجريمة للتمويه عن دوره فيها


وليكتمل المشهد الدعائي، كان لا بدّ بالتزامن مع بيان «الشاباك»، من أن يظهر نتنياهو أمام الشاشات ــــ وهو ما حصل ــــ خلال جلسة الحكومة، للتأكيد أن حكومته «لا يمكنها أن تسمح بجرائم القتل، والمنظّمات الإجرامية، وجباية الإتاوة، والسيطرة على البلديات»، محاولاً التملّص من مسؤوليته وأسلافه، البائنة. واللافت أن نتنياهو أقرّ أيضاً بأن حكومته نجحت في القضاء على الجريمة المنظّمة في المجتمع اليهودي، في موقف يؤكّد أن ما يعانيه المجتمع العربي هو نتيجة سياسة متعمّدة. وفي موازاة ذلك، عمد بعض المعلّقين ووسائل الإعلام العبرية، إلى التناغم مع السياسة الدعائية الرسمية، سواء بطلب مباشر أو من غير طلب.
وعلى رغم أن «حزب الله» لم يصدر أي موقف رداً على اتهامات العدو، إلا أن الواضح أن محاولة ربط واقع الوسط العربي، بـ«حزب الله»، تأتي امتداداً للسياسات الدعائية الإسرائيلية ضدّ المقاومة. فقد سبق أن أصرّت أجهزة العدو على ترويج مقولات من مثل أن «حزب الله» يُهرِّب المخدّرات إلى الداخل الإسرائيلي، مع أنها لم تُقدّم أيّ دليل على ذلك، ومع أن الحزب نفسه نفى الأمر جملةً وتفصيلاً، علماً أنه في الأصل لديه أسباب دينية للامتناع عن أي خيار من هذا النوع.
على أي حال، لم يعد خافياً أن العدو يسعى على الدوام إلى إيجاد شرخ بين «حزب الله» والفلسطينيين، وتحديداً من هم في الداخل المحتلّ، تارةً عبر محاولة تقديم دعمه لقضية فلسطين، كما لو أنه تنفيذ لـ«سياسة إيرانية»، وأخرى عبر تحريض مذهبي بشكل مباشر وغير مباشر، وهذه المرّة عبر محاولة ربطه بالجرائم في الوسط العربي. إلا أن اللافت هو أن العدو ارتقى في هذه المرحلة، ليصف المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، بأنها انعكاس لـ«سياسة إيرانية» أيضاً!