الخرطوم | يواجه آلاف الطلَبة السودانيين مستقبلاً مظلماً، بفعل قرار الحكومة إغلاق مؤسّسات التعليم العالي كافة، إذ أَصدر وزير التعليم العالي، محمد حسن دهب، قراراً قضى بتعليق الدراسة وجميع الأنشطة الأكاديمية في مؤسّسات التعليم العالي الحكومية والخاصّة والأهلية، إلى موعد قال إنه «يُحدَّد لاحقاً». وعزا دهب قراره إلى «ظروف الحرب» التي اضطرّت مجموعات كبيرة من المواطنين للنزوح من العاصمة الخرطوم إلى الولايات الأخرى، ولجوء بعضهم إلى خارج السودان، إضافةً إلى ظروف موسم الخريف التي أعاقت حركة التنقّل بين الولايات، فضلاً عن عدم استقرار التيّار الكهربائي وخدمة شبكات الاتصالات.ولا يُعدّ الإغلاق هذا الأول من نوعه؛ إذ علّقت الجامعات الحكومية فصولها في مناسبات عديدة، من بينها الفترة الممتدّة من كانون الأول 2018 إلى نيسان 2019، على خلفية الاحتجاجات التي أطاحت الرئيس عمر البشير؛ وفي عام 2020 بسبب جائحة «كورونا»؛ ولاحقاً بعد انقلاب الجيش في الـ25 من تشرين الأول 2021. لكن يبدو أن الإغلاق الحالي، سيطول نتيجة الحرب المتصاعدة بين الجيش وقوات «الدعم السريع».
ووفقاً لأحدث إحصائية، يبلغ عدد الطلاب في السودان، 575 ألفاً و719 طالباً وطالبة، موزّعين على 155 مؤسّسة تعليمية حكومية وخاصة وأجنبية.
وتعتقد أستاذة الإعلام في جامعة «وادي النيل»، ثريا محمد عبد الكريم، أن «هناك تخبُّطاً بين القرار السابق باستئناف الدراسة الذي أصدره مجلس الوزراء، وقرار وزير التعليم العالي الحالي تعليقها». ومع هذا، تؤكد عبد الكريم مساندتها بشدّة القرار، معلّلة موقفها بالقول: «كيف لطالبٍ أن يدرس في ظلّ عدم وجود الكهرباء والمياه والغذاء ورواسب مشاهدته المباشرة لفظائع الحرب؟». وتشير إلى أن «كلّ معطيات الواقع الآن غير مناسبة للدراسة، سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصّة، في المركز أو الولايات»، عادّةً، في تصريح إلى «الأخبار»، القرار السابق القاضي باستئناف الدراسة «خاطئاً جدّاً»، بالنظر إلى أن «كلّ الولايات تأثّرت بالحرب، حتى وإنْ كانت بعيدة عن مناطق الصراع الدائر حالياً». وتشدّد على ضرورة «وضع مصلحة الطالب قبل مصلحة الجامعة، ومتابعة الحالة النفسية للطلاب الذين شرّدتهم الحرب، وأُسر منهم البعض فيما فقد بعضهم الآخر ممتلكاتهم وأموالهم وأصبحوا بلا مأوى ولا سكن»، مضيفةً أن «الطلاب الآن أصبحوا نازحين ويعيشون حالات من التوتّر والهلع والانكسار والخوف من المصير المجهول، لا تمكّنهم من استيعاب المواد الدراسية». وتلفت عبد الكريم إلى أن «الأستاذ الجامعي تضرَّر أيضاً جرّاء الحرب، التي انعكست آثارها على أوضاعه المعيشية والاجتماعية، خصوصاً في ظلّ عدم صرف رواتب الأستاذة لأربعة أشهر، ما يزيد من صعوبة تأديتهم رسالتهم التعليمية».
عبّر الطلبة عن رفضهم قرار تعليق الدراسة لِما له من تأثير على مستقبلهم


في المقابل، عبّر الطلبة عن رفضهم قرار تعليق الدراسة لِما له من تأثير على مستقبلهم. ووصف إبراهيم خلف الله، الطالب في كلية الطب في جامعة «المناقل» في ولاية الجزيرة، القرار بـ»المؤسف والمجحف»، مرجّحاً أن يكون قد اتُّخذ من دون دراسة حقيقية لواقع الطلاب في المناطق غير المتضرّرة. وذكر خلف الله، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «يدرس في المستوي الثاني في الجامعة، ومن المفترض أن يكون في المستوى الرابع، لكن تأخُّره جاء نتيجة تعطيل الدراسة في الجامعات أيّام الثورة التي أطاحت الرئيس المعزول عمر البشير»، مضيفاً أن «وزير التعليم العالي لم يسعَ إلى إيجاد حلول للطلبة من أجل مواصلة الدراسة، حتى لو اضطرّ لتوزيعهم على الجامعات التي تقع في مناطق النزاع».
وعن رؤية الطلاب الذين هم على أعتاب التخرّج في الجامعات، قال مبارك عبد الفتاح، الطالب في كلية الهندسة في جامعة الخرطوم، لـ»الأخبار»، إن «القرار بصورة عامة سلبي على جميع الطلبة، لكنّه يمثّل مشكلة كبيرة للغاية للطلاب الذين هم في السنوات الأخيرة، كونه يعطّل عليهم التخرّج وبداية مسيرتهم العملية».
ولكن ثمة مَن أيّد قرار تعليق الدراسة من أولياء أمور الطلاب تحديداً، إذ رأى الباقر المصطفى، وهو والد لطالبَين جامعيَّين، أن القرار «سليم للغاية بالنسبة إلى أُسر الطلاب»، موضحاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الغالبية العظمى من الأُسر السودانية لا يمكنها في الوقت الحالي تلبية المصروفات المالية لطلّابها في الجامعات بسبب العجز المالي الكبير الذي خلّفته الحرب، وتعطّل المشروعات الإنتاجية الصغيرة والكبيرة، وتوقّف رواتب الموظفين».