بغداد | منذ أسبوع تقريباً، حصل اتفاق بين إدارتي بغداد وأربيل على إخلاء بعض المقرّات في مدينة كركوك المتعددة العرقيات، شمالي البلاد، وإعادتها إلى «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، بعد نحو ست سنوات من ترك الأخير إياها، على إثر استفتاء 25 أيلول 2017 الفاشل على استقلال كردستان، ما أشعل تظاهرات وقطعاً للطرقات الرئيسة من قبل المعترضين على القرار، وأثار اشتباكات أوقعت ثلاثة قتلى وعشرات الجرحى. وبعد تأزم الوضع في المحافظة، قبل أشهر قليلة من انتخابات مجالس المحافظات المقرّرة في نهاية العام الجاري، أكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وزعيم «الديموقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني، في اتصال هاتفي، «تكثيف العمل المتكامل من أجل تفويت الفرصة على كل من يعبث بأمن مدينة كركوك واستقرارها، وعلى بسط القانون من قبل القوات الأمنية»، حسبما ذكر بيان لمكتب رئيس الوزراء.وعليه، وجه السوداني القطعات الأمنية المتواجدة هناك بفرض حظر تجوال في المحافظة ومنع حمل السلاح والحزم في اعتقال «المتلاعبين بأمنها» من أي جهة كانوا، فيما اتهمت كتلة «الديموقراطي الكردستاني» النيابية، أطرافاً سياسية داعمة لـ «الحشد الشعبي» بأنها تريد ضرب قرار السوداني بشأن مقرات الحزب في كركوك. وفي المقابل، انتقدت كتلة «الصادقون» النيابية، الجناح السياسي لـ«حركة عصائب أهل الحق»، سكوت بعض الأطراف، في إشارة إلى بعض القوى السنية التي تتحدّث عن تبنّيها لمشروع عربي، عن ما جرى في المدينة، بينما أكد أمين عام «كتائب سيد الشهداء»، أبو آلاء الولائي، في تغريدة على منصة «X»، أنه «لن ينال من كركوك دواعش ولا بعثية ومندسون».
وضمن مساعي تهدئة الوضع، وجهت حكومة بغداد بالتريث في إخلاء مقر العمليات في كركوك، فيما قرّر المتظاهرون إنهاء اعتصامهم وفتح الطريق بشكل مؤقت، حسبما ذكر بيان لمكتب محافظ كركوك راكان الجبوري. ويؤكد أحد القادة الأمنيين في المحافظة، لـ«الأخبار»، طالباً عدم ذكر اسمه، أن «الوضع الأمني في المدينة في تدهور، ولا سيما مع وجود خصومات سياسية بين الجهات الممسكة بقرار المحافظة». ويشير إلى أن «المعلومات التي توافرت، تفيد بوجود أطراف مستفيدة من خارج المحافظة تحاول زعزعة الأوضاع الأمنية من باب الفوضى لغرض تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية لا أكثر».
ويضيف القيادي الأمني أن عودة «الحزب الديموقراطي ليست في صالح المحافظة، لأن لدينا تجربة سابقة لذلك. فهم لا يكتفون فقط بالنشاط السياسي، بل لديهم أجندة لتفريغ المحافظة من القوات الأمنية التابعة لحكومة بغداد، وكذلك من قوات الحشد الشعبي التي تتواجد في العديد من القطعات». ولا يستبعد «عودة الفوضى مجدداً، لأن كركوك ليس فيها مركزية قرار، وهناك أطراف طامعة في الاستحواذ على حقولها النفطية وبقية ثرواتها. وربما قد تشهد مستقبلاً أحداثاً أكثر عنفاً من الوقت الحالي».
من جانبه، يؤكد القيادي في «تحالف العروبة»، قصي كامل، أن «خروج الجماهير العربية والتركمانية، كان لإجهاض الاتفاقات السياسية التي جاءت على حساب كركوك وأمنها واستقرارها، ومحاولة إقصاء العرب وبقية المكونات الموجودة في هذه المدينة التي وقعت ضحية الصراعات». ويقول، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «المغزى من رفضنا للعودة، هو عدم السماح بعودة مسلسل القتل والاغتيالات لمدنيين عرب عزل ليس لهم أي ذنب، وهذا ما ثبتته وسائل الإعلام في السنوات الماضية».
ويكمل أنه كان مع المتظاهرين الموجودين في ساحات الاحتجاجات، وفوجئ بهجوم شباب أكراد تابعين لجهات حزبية على المعتصمين بالقرب من مقر العمليات المشتركة، وحرق ما لا يقل عن خمس سيارات وبعض الخيم. ويعتبر كامل أن «الوضع في كركوك خطير جداً. ونطالب الحكومة ورئيسها بمعالجة الموقف، والتراجع عن قرار تسليم مقر العمليات، لأن ذلك قد يعرّض المحافظة للفوضى، عندما كنا نعاني جميعنا من انعدام القانون وسياسة الإقصاء التي كانت تمارس علينا».
أما القيادي في «الحزب الديموقراطي»، صبحي المندلاوي، فيرى أن «ما يحدث من قطع للطرقات وغيرها من الفعاليات، غير قانوني وغير دستوري، ولا يحق لأي جهة أن تعصي أوامر القائد العام للقوات المسلحة. والقانون يكفل لكل الأحزاب المجازة رسمياً أن تفتح لها فروعاً في كل محافظات». ويبيّن، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الأحداث كانت متوقعة بالنسبة إلينا، لكن أي استفزاز يمكن أن تكون له ردود أفعال غير طبيعية. جرى استفزاز مواطنين كرد وحرق سياراتهم، وهذا ما جعل الشباب الكرد يثورون، ويرفضون ما تقوم به الأجهزة الأمنية وما يتم الدفاع عنه».
قيادي أمني: هناك أطراف طامعة في الاستحواذ على حقول كركوك النفطية وبقية ثرواتها


ويشير المندلاوي إلى أن «الضحايا الذين وقعوا خلال الصدامات، كانوا من الكرد وليسوا من غيرهم. وتم ضربهم بالرصاص وممارسة العنف بحقهم. وبالتالي نحن كحزب ديموقراطي نلقي باللائمة على الأجهزة الأمنية. ومن حقنا الدفاع عن أنفسنا وعن مقراتنا الموجودة في كركوك». ويتابع أنه «على عتبة انتخابات مجالس المحافظات، هذا دليل واضح على وجود خشية حقيقية من عودة الحزب الديموقراطي إلى كركوك. فهناك رهبة من قبل الأحزاب الموجودة». ويلفت إلى أنه «أُعلمنا أن أغلب الموجودين في مخيمات الاحتجاج ليسوا من أبناء كركوك، وإنما تم جلبهم من محافظات أخرى، لأغراض معروفة».
ويعتبر القيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، أحمد الهركي، من جهته، أن «جزءاً كبيراً من هذه الأحداث، تقف خلفها المزايدات السياسية والانتخابية التي تؤدي إلى الاحتقان في الشارع وتهديد السلم الأمني والمجتمعي في كركوك». ويضيف، في حديث إلى «الأخبار» أن «هناك من يتصيّد في الماء العكر، وعلينا أن نراعي التوقيتات وننتبه لما يحدث في المنطقة. فهناك أزمة في الرقة ودير الزور، وأيضاً بين العرب والكرد. وأتمنى أن يكون التوقيت بريئاً وألا يكون هناك استغلال للأوضاع من جهات خارجية أو داخلية». وينبّه الهركي إلى «تنامي الخطاب الطائفي والقومي، الذي قد يتطوّر إلى أفعال انتقامية. فكسر الإرادات قد يؤدي إلى مشكلات أكبر مما يحصل في الوقت الراهن». ويدعو جميع القوى السياسية ورؤساء العشائر، إلى التهدئة والسلم، وعدم المساهمة في تأجيج الوضع، لأن أي شرارة في كركوك قد تتّسع وتشمل أغلب المحافظات العراقية الأخرى.