صنعاء | تعتزم الأمم المتحدة تقليص تدخّلها الإنساني في اليمن بذريعة نقص تمويلات المانحين، غير مكترثة بتداعيات هذه الخطوة على حياة عشرات الآلاف من الأسر النازحة والمعدمة. وربط «برنامج الغذاء العالمي» الذي أقرّ بخطورة تقليص المساعدات الغذائية والمالية في مختلف المحافظات اليمنية ابتداءً من أواخر أيلول الجاري، إعادة تلك المساعدات بسد الفجوة التمويلية من قبل الدول المانحة.وفي رد فعله، حذّر «المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية» في صنعاء من خطورة تلك الخطوة، ووصفها في بيان بـ«الكارثية التي من شأنها أن تُفاقم من المعاناة الإنسانية التي تزداد سوءاً من يوم إلى آخر». ويقدّر المسؤول الإعلامي للمجلس، جمال الأشول، في حديث إلى «الأخبار»، عدد المتضررين من تقليص «برنامج الغذاء العالمي» مساعداته بنحو 2.9 مليون شخص، مؤكّداً أن «تقليص المساعدات الغذائية سيعرّض حياة الملايين، خاصة من النساء والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، للخطر، ولا سيما أن نحو 4.5 ملايين طفل وامرأة يعانون من سوء التغذية» بنسب متفاوتة. ويشير الأشول إلى أن «تقليص المساعدات في الظرف الحالي الذي تزداد فيه معاناة اليمنيين جراء استمرار الحصار وتلكّؤ دول العدوان في تنفيذ الاستحقاقات الإنسانية، يأتي ضمن ضغوط أميركية غير أخلاقية، الهدف منها تضييق خيارات العيش على الشعب اليمني»، مضيفاً أن «المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية حذّر من خطورة استخدام المساعدات الإنسانية كورقة ضغط سياسية على صنعاء، تزامناً مع المساعي الجارية لاستغلال معاناة اليمنيين لإحداث اختراق في الجبهة الداخلية».
من جهتهم، أفاد ناشطون في المجال الإنساني في صنعاء، بأن ما تم إنفاقه من قبل الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها خلال النصف الأول من العام الجاري، بلغ نحو 1.4 مليار دولار، استحوذ «برنامج الغذاء العالمي» على نسبة 42 % منها، بنحو 600 مليون دولار، تضاف إلى نحو 700 مليون دولار خُصّصت كتحويلات نقدية للفقراء والمعدمين. وتوزّعت بقية التمويلات تحت بنود الحماية وإنشاء مكاتب جديدة للمنظمات ومقابل أعمال لوجيستية واتصالات. ووفق المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» من «حملة أين الفلوس؟» المعنية بتتبّع فساد المنظمات الدولية، فقد بلغت فاتورة الاتصالات والإنترنت أكثر من 1.3 مليون دولار لـ«برنامج الغذاء العالمي» وشركائه، فيما سُجّل تبديد ملايين الدولارات كنفقات إدارية وسفريات.
من جهة أخرى، يلاحظ أن المنظمات الدولية علّقت أنشطتها في عدد من مناطق اليمن، بعد أن تصاعدت العمليات الهجومية على موظفيها في مناطق سيطرة حكومة عدن، إذ تزايدت الانتهاكات ضد العاملين الأجانب في جنوب اليمن ومحافظتَي تعز ومأرب في الآونة الأخيرة. وبعد اغتيال رئيس مكتب «برنامج الغذاء العالمي» في اليمن، الأردني مؤيد حميدي، منتصف أيلول من العام الفائت في مدينة التربة غربي تعز، قالت منظمة «أطباء بلا حدود» إن طبيباً ألمانياً وآخر يحمل جنسية ميانمار اختُطفا في منطقة العرقين في محافظة مأرب أثناء توجّههما إلى مطار صافر بغرض السفر إلى عدن. وفي الوقت الذي طالبت فيه المنظمة سلطات مأرب بتعقّب الخاطفين، تخلّت الأخيرة عن مسؤوليتها وأرجعت ذلك إلى أن «أطباء بلا حدود» رفضت التنسيق معها. ووفقاً لأكثر من مصدر، فإن أمن مأرب التابع لحزب «الإصلاح»، فرض على المنظمات الدولية مبالغ مالية كبيرة مقابل توليه مهمة تأمين طواقمها، وهو ما قوبل برفض عدد منها.
«المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية» حذّر من خطورة استخدام المساعدات كورقة ضغط سياسية على صنعاء


في هذا الوقت، وتحت ذريعة نقص التمويل، غادر فريق الإنقاذ البحري التابع للأمم المتحدة، الإثنين الماضي، موقع سفينة التخزين المتهالكة «صافر» في ميناء رأس عيسى النفطي الواقع على سواحل محافظة الحديدة غربي اليمن، بعد أن استكمل تنفيذ المرحلة الثانية من خطة نقل النفط الخام منها إلى الناقلة البديلة «نوتيكا» التي سُلّمت إلى حكومة صنعاء وتم تغيير اسمها إلى «يمن». وتجاهل «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن»، الحديث عن مرحلتَي الإنقاذ المتبقّيتين من خطة الإنقاذ التي نفّذت الأمم المتحدة مرحلتين منها على مدى 13 أسبوعاً، تمثّلت الأولى في فحص وتقييم الخزّان العائم، والثانية في تأمين نقل الخام منه إلى السفينة البديلة، على رغم تأكيد خبراء في صنعاء أن السفينة البديلة التي تمّ نقل أكثر من 1.1 مليون برميل نفط إليها، غير مكافئة لـ«صافر» كونها صُمّمت كناقلة نفط وليس كخزّان عائم ووضعها الفني متهالك. ولم ينزع ما حدث خلال المرحلتين الأوليين فتيل أزمة «صافر» بشكل كلي، بل يأتي في إطار ترحيل الكارثة البيئية في البحر الأحمر من سفينة إلى أخرى ومن فترة إلى أخرى. وفي حال بقاء شحنة النفط من دون التصرّف بها في السفينة البديلة، فإن خطر التسرّب النفطي سيظل قائماً.