طرابلس | على رغم محاولات رئيس «حكومة الوحدة» المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، البقاء على رأس السلطة، ونجاحه في تجاوز عدد من العقبات في الفترة الماضية، إلّا أن الرجل الذي أوصلته المفاوضات الأممية إلى منصبه، بات مطالَباً بتقديم تنازلات، وخاصة بعد الأزمة التي خلّفها الإعلان الإسرائيلي عن لقاء وزيرة خارجيته، نجلاء المنقوش، مع وزير خارجية العدو، إيلي كوهين، في روما الأسبوع الماضي، واضطرار المنقوش إثر ذلك للخروج من البلاد بشكل عاجل تجنّباً لتعرّضها للخطر نتيجة الغضب الشعبي العارم. ويأتي ذلك على رغم محاولات الدبيبة وفريقه المستمرة للملمة فضيحة التطبيع التي لا تزال تتكشف فصولاً، أحدثها ما كشفته «الأخبار» في عددها أمس، من لقاء سري جمع الدبيبة بمدير «الموساد» الإسرائيلي في العاصمة الأردنية عمّان.وبالعودة إلى الضغوط المستجدة على الدبيبة، برز، في هذا السياق، في الأيام الماضية، البيان الأميركي - الفرنسي الواضح لجهة دعم إنجاز الانتخابات عبر القوانين الجديدة التي تنتظر الإقرار من المجالس التشريعية، مع مساندة كاملة للمبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، من أجل الإسراع في التوجّه نحو صناديق الاقتراع، والذي يلقى قبولاً كبيراً من الأطراف الإقليمية. والظاهر أن الدعم الأميركي للدبيبة للبقاء في منصبه بات مشروطاً بالالتزام بـ«تجديد السلطة»؛ إذ تركّزت المفاوضات التي جرت في الأيام الفائتة، بمشاركة أطراف إقليمية أخرى معنيّة بالملف الليبي، على قبول استمرار الدبيبة على رأس الحكومة، مع إجراء تغييرات واسعة في هذه الأخيرة، شريطة ألّا يخوض الانتخابات الرئاسية، وأن تكون حكومته الجديدة من التكنوقراط، وأن يقتصر دورها على إجراء العملية الانتخابية وتسليم السلطة في مدى زمني محدد. كذلك، مُنح الدبيبة، الذي يتعرّض لضغوط لم تكن مسلَّطةً عليه بهذه القوة من قَبل، مهلة للتفكير في كيفية إدارة الوضع وفق ما يراه مناسباً، سواءً بقبول البقاء على رأس حكومة انتقالية بصلاحيات ومهام محددة، أو مغادرة المنصب وخوض سباق الانتخابات الرئاسية، مع عدم الجمع بين الامتيازين باعتبار الأمر غير صالح للتطبيق على أرض الواقع.
شهد الاجتماع الأخير الذي عقده باتيلي مع أعضاء اللجنة العسكرية «5+5» مفاوضات شاقة حول أمور عدّة


ويأتي هذا في وقت بات فيه الدبيبة محاصَراً بالنفور الداخلي؛ سواءً من البرلمان الذي سحب الثقة من حكومته سلفاً، أو «المجلس الأعلى للدولة» الذي طالبه بالإسراع في نشر نتائج التحقيقات حول لقاء المنقوش - كوهين، مع الكشف عن مكان الأولى، أو حتى «المجلس الرئاسي» بقيادة محمد المنفي، والذي يضغط من أجل حلحلة العقد السياسية بعيداً من الدبيبة. أيضاً، يزداد موقف رئيس حكومة «الوحدة» ضعفاً، في ظلّ بدء النائب العام تحقيقات حول لقاء روما، وهو قد يتطلّب استدعاء الأول. وتُضاف إلى ما تَقدّم، الضغوط التي يمارسها اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، على بعض الأطراف في داخل طرابلس من أجل التمرّد على الحكومة وسياساتها، وتكثيف باتيلي تحرّكاته لدعم تشكيل حكومة انتقالية تمهّد الطريق لإجراء الانتخابات.
في هذا الوقت، يُنتظر انعقاد البرلمان و«المجلس الأعلى للدولة»، في الأيام المقبلة، من أجل التصويت على التعديلات التي أدخلتها لجنة «6+6» المشكَّلة من المجلسَين على قوانين الانتخابات، بموجب الملاحظات المقدَّمة إليها من مفوضية الانتخابات وباقي الجهات المعنية في ليبيا. وفي حين تعهّد الرئيس الجديد لـ«الأعلى للدولة»، محمد تكالة، باستكمال الإطار القانوني للانتخابات، يسعى باتيلي إلى إزاحة العقبات الأمنية من أمام إجراء الاستحقاق، عبر الاجتماعات المستمرة بينه وبين أعضاء اللجنة العسكرية «5+5»، والتي لا تزال تعقد لقاءاتها بانتظام. وفي السياق، وفي خطوة جديدة نحو توحيد الجيش الليبي مجدّداً، وإنهاء حالة التشرذم الأمني السائدة في البلاد، شهد الاجتماع الأخير الذي عقده باتيلي مع أعضاء اللجنة، مطلع الأسبوع الجاري، مفاوضات شاقة حول عملية نزع سلاح الميليشيات، ووضع خريطة طريق لعملية توحيد القوات بعد إجراء الانتخابات، من دون أن تتضح نتائج هذه المفاوضات إلى الآن.