بغداد | أثار قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق، الإثنين الماضي، إلغاء «اتفاقية خور عبد الله» لتنظيم الملاحة بين البلدَين، والتي جاءت استكمالاً لترسيم الحدود بينهما، احتجاجات كويتية، على اعتبار أن الكويت ترى في الاتفاقيات الثنائية إغلاقاً للباب أمام المشكلة التي أثارها الغزو العراقي للبلاد عام 1990. واعتبرت المحكمة، في قرارها، أن التصويت على الاتفاقية من قِبل البرلمان العراقي في عام 2013، لم يكن دستورياً، لأنها لم تنلْ غالبية الثلثين، وفق ما تنصّ عليه المادة 61 من الدستور الاتحادي. وما يَجدر التذكير به، هنا، أن التصويت جرى في ولاية نوري المالكي الثانية، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 833 لعام 1993، واستكمالاً لإجراءات ترسيم الحدود بين البلدين. ويقع خور عبد الله في أقصى شمال الخليج بين شبه جزيرة الفاو العراقية وكلّ من جزيرتَي بوبيان ووربة الكويتيتَين، ويمتدّ إلى داخل الأراضي العراقية، مشكّلاً خور الزبير الذي يقع فيه ميناء أم قصر العراقي. وقُسِّم الممرّ الملاحي، بموجب الاتفاقية المشار إليها، انطلاقاً من نقطة التقاء القناة الملاحية في خور عبد الله بالحدود الدولية، ما بين النقطة البحرية الحدودية الرقم 156 والنقطة الرقم 157 في اتّجاه الجنوب إلى النقطة 162، ومن ثمّ إلى بداية مدخل القناة الملاحية عند مدخل خور عبد الله؛ كما جرى، على أساس ذلك، إنشاء موانئ جديدة. إلّا أنه بين فترة وأخرى، تشعل الاتفاقية جدلاً واسعاً داخل العراق، بين مَن يرى أن هناك تنازلاً حكومياً وبرلمانياً عن جزء من خور عبد الله، وهو الممرّ الملاحي الوحيد المؤدي إلى معظم الموانئ العراقية، ومن يَعتبر خطوات الحكومة استكمالاً لترسيم الحدود وفقاً لقرار دولي.وفي أحدث فصول هذا الشدّ والجذب، نقلت صحف كويتية مواقف لأعضاء في مجلس الأمة، منها تأكيد النائب أسامة الشاهين أنه «لا تنازل عن ذَرّة من تراب الكويت أو قطرة من بحرها»، واعتباره «إبطال المحكمة العليا العراقية - بطلب نوّاب عراقيين - إجراءات تصديق اتفاقية خور عبد الله مرفوضاً، ويتطلّب موقفاً حكومياً حازماً وحاسماً». كما وجّه رئيس لجنة الشؤون الخارجية، عبد الله المضف، دعوة إلى عقد اجتماع للجنة بحضور وزارة الخارجية، فيما اعتبر النائب عبد الكريم الكندري إلغاء الاتفاقية «بلا قيمة على المستوى الدولي، فقرارات مجلس الأمن حاسمة بهذا الشأن بالنسبة إلى حدودنا، لكنه سيؤثّر على ما تبقّى من حدود غير مرسّمة، وتحديداً ما يتعلّق بالعلامة البحرية 162». في المقابل، يبيّن النائب عن كتلة «حقوق» في مجلس النواب العراقي، سعود الساعدي، وهو صاحب الدعوى المقامة ضدّ الاتفاقية في المحكمة الاتحادية وذلك منذ أربعة أشهر، أن «المحكمة استندت إلى المادة 61 من الدستور العراقي، التي تتحدّث عن تنظيم المعاهدات ومنها معاهدة الحدود أو ترسيمها برياً أو بحرياً، ويُصوَّت عليها بغالبية الثلثين». ويصف الساعدي، في تصريح إلى «الأخبار»، «اتفاقية خور عبد الله» بأنها «مذلّة وظالمة وجائرة»، مذكّراً بأن «ما حصل في مجلس النواب في عام 2013، كان التصويت عليها بالغالبية البسيطة بـ122 نائباً، مقابل رفض 80 نائباً من أصل 325 هم أعضاء المجلس في حينه. وحتى إذا جرى التسليم بالنصف زائداً واحداً، فإنه يجب أن يكون من مجمل الأعضاء وليس الحاضرين فقط، أي 163 نائباً». ويخلص إلى أن «الاتفاقية فيها مخالفة لقانون الأمم المتحدة الخاص بالبحار ومنها المادة 70».
يرى البعض أن «إلغاء المحكمة الاتحادية العليا اتفاقية خور عبد الله دستوري ولا غبار عليه أبداً»


أمّا مهدي عبد الرضا، وهو المحامي الذي تكفّل بالقضية أمام المحكمة الاتحادية، فيرى أن «إبطال اتفاقية خور عبد الله يجعل للعراق خيارات عدّة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ومنها تثبيت الحدود السيادية على اعتبار أن هذه الاتفاقية ثبّتت حدوداً وهمية بين العراق والكويت، وبالتالي سوف يكون هنالك أثر اقتصادي، كان متوقفاً بسبب الأثر السياسي». ويلفت عبد الرضا، في تصريح إلى «الأخبار»، إلى أن «الجانب الكويتي دائماً ما يضايق الصيّادين العراقيين في قضية التجاوز حول الخطوط التي وضعتها الكويت بموافقة البعض من الجانب العراقي»، مضيفاً أن «للاتفاقية آثاراً اقتصادية على مستوى الملاحة البحرية والموارد الموجودة داخل هذه الحدود». ويبيّن أن «المحكمة الاتحادية استندت في قرارها أولاً إلى قانون المعاهدات الرقم 112 لعام 1979»، مستدركاً بأن «خلوّ هذا القانون، الذي يعتبر نافذاً إلى الآن، من آلية التصويت، جعل المحكمة الاتحادية تلجأ إلى الدستور العراقي في المادة 61 رابعاً، والتي تنصّ على أن يكون تنظيم المعاهدات والمصادقة عليها بغالبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، فيما البرلمان، عندما صوّت على هذه الاتفاقية، صوّت بالغالبية البسيطة، وفي ذلك مخالفة صريحة تسجَّل على مجلس النواب». ويشير إلى أن «المادة 94 من الدستور تنصّ على إلزامية القرارات التي تصدر من المحكمة الاتحادية وعدم إمكانية الطعن فيها»، مستنتجاً أن «هذا القرار جعل الاتفاقية كأنها لم تكن أصلاً». ويعتقد أنه «من الممكن أن تكون هناك إجراءات إذا أصرّت الكويت على عدم تنفيذ هذه الاتفاقية أو لجأت إلى القانون الدولي، وبالعكس إذا لجأت، سيكون هناك موقف للعراق أقوى، على اعتبار أن جميع المحاكم عندما يُطرح نزاع بين دولتين أو خصومة أمامها، ستقوم بتغليب المصالح الوطنية، وهذا القرار فيه مصلحة وطنية لكل العراقيين».
من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي، أحمد الموسوي، أن «إلغاء المحكمة الاتحادية العليا اتفاقية خور عبد الله دستوري ولا غبار عليه أبداً، لأن في الاتفاقية إجحافاً وظلماً كبيرَين للعراق، وخاصة في ظلّ القرارات الارتجالية التي اتّخذتها الحكومات والأنظمة السابقة من دون إدراك لتداعياتها المستقبلية». وفي ما يتعلّق بتجدّد الخلاف مع الكويت، يقول الموسوي، لـ«الأخبار»، إن «موقف دولة الكويت، وكما لمسنا من ردود فعلها السلبية تجاه القرار، قد يشعل أزمة بين الدولتين. لذا يجب على الحكومة الحالية أن توضح موقفها من إبطال المحكمة الاتحادية للاتفاقية، وخاصة أنها لديها مصالح مشتركة مع الكويت». ويلفت الموسوي إلى أن «الجانبين الكويتي والعراقي لديهما قنوات تواصل جيّدة، وعليهما استغلالها في الحوار البناء والنقاشات التي تضمن حقوق البلدين، ولا سيما أن هناك مشاريع واتفاقيات جديدة تحدّثت عنها حكومة بغداد في وقت سابق، فضلاً عن اجتماع مرتقب للجنة مشتركة للدولتين سيكون في العاصمة العراقية».