في لقاء بدت رسالته الإعلامية أكبر من مخرجاته العملية، اجتمع وزراء خارجية الدول الضامنة لـ«مسار أستانا» لحل الأزمة السورية (روسيا وإيران وتركيا) في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث تطورات الأوضاع في سوريا، وتبادل وجهات النظر في مختلف القضايا المتعلقة بالأزمة، بما فيها المبادرة الروسية – الإيرانية للتطبيع بين أنقرة ودمشق.البيان الختامي للاجتماع الذي دعت إليه إيران، لم يحمل أي جديد، وتضمّن عبارات مكرّرة تؤكد «مواصلة الجهود لتعزيز التسوية في سوريا»، و«ضرورة حشد المساعدة الخارجية لسوريا، بما في ذلك المساعدات لمصلحة إعادة الإعمار»، إضافة إلى تأكيد استمرار العمل من أجل توفير الظروف الملائمة لدفع عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار، المحور الأبرز الذي يتصدّر نشاط «مسار أستانا»، إلى جانب المبادرة العربية التي تم إطلاقها بطلب من الأردن، الذي يسعى جاهداً للتخلص من عبء اللاجئين السوريين، وخصوصاً بعد خفض المنظمات الأممية تمويلها للاجئين السوريين إلى حدود غير مسبوقة، ما أدى إلى مضاعفة الأعباء على الاقتصاد الأردني المنهك.
البيان الختامي، الذي جاء مقتضباً، أشار إلى أن وزراء خارجية الدول الثلاث (سيرغي لافروف، حسين أمير عبد اللهيان وهاكان فيدان) تبادلوا باستفاضة وجهات النظر حول تطوّر الوضع في سوريا وما حولها، مع التركيز على مهام ضمان الاستقرار المستدام في البلاد، من دون الإشارة إلى أي اتفاق حول الخطوات الجديدة التي يمكن المضيّ فيها وفق هذا المسار، بعدما دخل في حالة ركود، على رغم تأكيد المجتمعين تمسّكهم بهذا المسار و«دوره الرئيسي في حل الأزمة السورية»، في ما يمكن اعتباره رسالة إعلامية مباشرة من الدول الثلاث حول استمرار توافقها.
اللقاء الثلاثي، الذي انضم إليه لاحقاً المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن، أعاد أيضاً تأكيد دعم المسار الأممي المجمّد منذ أكثر من عام (اللجنة الدستورية)، والذي من المقرر أن يعود إلى الحياة قبل نهاية العام الحالي، بعدما توافقت دول «مسار أستانا» خلال اجتماعها في كازاخستان في حزيران الماضي على ضرورة تفعيله، بالإضافة إلى المبادرة العربية التي قدّمت بدورها دفعاً لهذا المسار، بعد تجاوز الخلاف حول استضافة جنيف للاجتماعات، ونقل مقر عملها إلى سلطنة عُمان، وإجراء بعض التغييرات في آلية عملها.
وعلى رغم من إعلان المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ونائب وزير الخارجية الروسية، ميخائيل بوغدانوف، قبل أيام، الاستعداد لعقد جولة جديدة للقاءات «مسار أستانا» في كازاخستان، التي أعادت الترحيب باحتضان الاجتماعات بعدما أعلنت سابقاً نهاية دورها في هذا المسار، لم يشر المجتمعون في نيويورك إلى أيّ موعد للجولة المقبلة من اجتماعات هذا المسار، والذي من المقرر، وفق بوغدانوف، أن يسبقه لقاء رباعي لمناقشة خريطة الطريق للتطبيع بين سوريا وتركيا، بعدما وصلت هي الأخرى إلى طريق مسدود، نتيجة رفض تركيا الانسحاب من سوريا، وهي النقطة التي تتمسّك بها دمشق وتعتبرها محورية في أي انفتاح على أنقرة، التي استبقت بدورها الاجتماع الثلاثي في نيويورك بتصريحات أطلقها وزير الدفاع التركي يشار غولر، ربط فيها وجود قوات بلاده في الشمال السوري بالتطورات السياسية في سوريا، بما فيها «إنشاء دستور جديد وإجراء انتخابات ديموقراطية، إضافة إلى تشكيل حكومة تمثّل جميع الأطياف السورية». ويمكن اعتبار ذلك موقفاً مستجداً، إذ كانت أنقرة طوال السنوات الماضية، وحتى وقت قريب، تربط وجود قواتها بـ«المخاوف الأمنية»، وهي نقطة تحاول موسكو وطهران تجاوزها عبر اتفاق يعيد نشر قوات الجيش السوري على كامل الحدود، ويعيد تفعيل اتفاقية أضنة الموقّعة بين سوريا وتركيا عام 1998، والتي تتضمن تشكيل غرفة أمنية مشتركة، تسمح لتركيا بالتوغل 5 كيلومترات في الأراضي السورية، الأمر الذي تعتبره الدولتان (روسيا وإيران) كافياً لتأمين الحدود التركية وإزالة مخاوفها الأمنية، على أن تقوما بدور الضامن أيضاً.
وبينما يعقّد الموقف التركي والمراوغة المستمرة مسار التطبيع مع دمشق، بعد فشل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في عقد اجتماع دعا إليه بإلحاح مع الرئيس السوري بشار الأسد، ربطه الأخير بانسحاب الجيش التركي، تبدي كل من إيران وروسيا تفاؤلاً متواصلاً حول إمكانية تجاوز الخلافات والخروج بنتائج باتت تشكل خطوة لا بد منها لتحريك «مسار أستانا» الذي نجح في تجميد القتال نسبياً على خطوط التماس، وأفسح المجال للعمل السياسي الذي دخل حالة سبات بعد موجة تصعيد أميركية في سوريا في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية وحتى الميدانية، حيث يشكل المسار وخطوات التطبيع بين دمشق وأنقرة تهديداً مباشراً للوجود الأميركي في سوريا، بعدما أعلنت الدول الأربع (سوريا، روسيا، إيران وتركيا) رفضها الوجود الأميركي، والعمل على إخراج هذه القوات، باعتبارها خطوة لا بد منها للتوصل إلى حل للأزمة السورية.
تركيا تصعّد شروطها: وجودنا في الشمال السوري مرتبط بالتطورات السياسية


وبالإضافة إلى لقاء دول «مسار أستانا»، جرت على هامش اجتماعات الجمعية العامة سلسلة من اللقاءات السياسية حول سوريا، من بينها لقاء جمع وزير الخارجية الإيراني، بنظيره الأردني أيمن الصفدي، بحث خلاله الجانبان، الجهود العربية والأممية لحل الأزمة السورية، وفق مبدأ «خطوة مقابل خطوة»، الذي يعمل عليه بيدرسن، ويشكّل أحد أسس المبادرة العربية حول سوريا. يأتي هذا اللقاء بعد سلسلة تصريحات أردنية رافضة للدور الإيراني في سوريا، الأمر الذي يمكن أن يشكّل أساساً جديداً للتعامل بين عمّان وطهران، الشريكان في مسارات حل مختلفة ومتكاملة حول سوريا.
المشاركة السورية في الاجتماعات، والتي جاءت مخفّضة هذا العام، قادها السفير السوري في الأمم المتحدة بسام الصبّاغ، في ظل انشغال وزير الخارجية فيصل المقداد بالزيارة التي يجريها ضمن وفد حكومي رفيع المستوى، برئاسة الأسد، إلى الصين، حيث أجرى الصباغ سلسلة من اللقاءات، أبرزها لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تناول الجانب الإنساني وآثار العقوبات الأميركية والغربية أحادية الجانب على الشعب السوري، واللقاء الذي جمعه مع وزير الخارجية والمغتربين، عبد الله بوحبيب، والذي تناول بشكل أساسي قضية اللاجئين السوريين وسبل عودتهم الطوعية التي تواجَه بموجة رفض أميركية وغربية معلنة تسبّبت بإعاقة الجهود المبذولة لحلحلتها، بما فيها توفير دعم لعمليات إعادة الإعمار ومشاريع «التعافي المبكر» الضرورية لاستقبال اللاجئين العائدين، إضافة إلى حملة التشويش الإعلامي المستمرة لمنع أيّ تقدم في هذا الملف.