في الدقيقة الأولى بعد الساعة السابعة من صباح اليوم الأوّل بعد الذكرى الخمسين لعبور السويس، عبَرَ مقاومون فلسطينيون من كتائب عز الدين القسام سياج غزة نحو الداخل الفلسطيني. عبروا وما صبروا، فانتشروا في عدد من المستوطنات، وعاد بعضهم بغنائم عسكرية وبشرية. الأخيرة ستترجم حريّة لآلاف الأسرى في المعتقل، لكن هذا يتوقّف على أن يفكّر جنرالات جيش «إسرائيل» منطقيّاً، لذا المعركة لن تتوقّف قريباً. فأحد جنرالات هذا الجيش الذي لا يَفقَه أُسِرَ بسرواله الداخلي، وهذه الصورة وحدها كفيلة بأن يجنّ جنون زملائه المربَكين، فما بالك بمئات الصور الأخرى التي جعلت من جيش «إسرائيل» مهزأة.أظهرت القيادة السياسية الإسرائيلية وقيادة جيش الاحتلال تخبّطاً وإرباكاً لم تظهراهما منذ أن بدأ الثنائي الأخرق إيهود أولمرت وعامير بيريتز حرب تمّوز عام 2006 ولم يعرفا كيف ينهيانها. يومها أرادا صورة تذكارية في ساحة بنت جبيل ولم يحصلا عليها. الصور في الحرب مهمّة جدّاً، فهي ما يبقى في الذاكرة. الميركافا التي تتّكئ على جانبها معتزلة الحرب مثالٌ. صور حرب أكتوبر بأبيضها وأسودها لم تُمحَ من الذاكرة، حتّى ذاكرة من لم يعايشوا الحرب، فتصوّروا أثر صور العبور البرّي بعشرات السيارات البيضاء والدّراجات النارية السوداء على أكثر من محور على طول سياج قطاع غزة المحاصر حتى الأمس. لا صور لعملية الطائرات الشراعية التي استهدفت مستوطنة «كريات شمونا» عام 1987، هناك فقط روايات عن العملية. لن ينسى أحدٌ مشهدَ المظليين وهم يستخدمون باحة قاعدة عسكرية إسرائيلية مَهبطاً لبأس المقاومة الفلسطينية السماويّة.
الصورة الأكثر تعبيراً هي لاكفهرار وجه رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو الذي أطلّ مقابل الكاميرات أكثر من مرّة في النهار من دون أن يُقنِع في أي منها. وعد بالثأر وبالقتل ونصح أهل غزّة بالابتعاد من دربه لأنّه سيثأر. وأظهرت الصور كيف ثأر من آخر حجر في برج فلسطين وسط مدينة غزة، فالكلّ يعرف أن مقاومي حماس والفصائل الأخرى كافة يقطنون أكثر المباني السكنية انكشافاً في المدينة. البعض في الغرب قارن السابع من تشرين الأوّل بالحادي عشر من أيلول ليستعطف الجمهور، لكن غاب عنهم أن من جعل الأبراج تتهاوى كأن دعائمها الإسمنتيّة والفولاذيّة لم تكن، هم «الإرهابيون»، هم الأشرار. آخرون شبّهوا هجوم المقاومة الفلسطينية بغارات الطائرات المقاتلة اليابانية على بيرل هاربور في المحيط الهادئ من حيث عنصر المباغتة، وهي الهجمة التي دفعت الولايات المتحدة «المسالمة» إلى دخول الحرب العالمية الثانية «مرغمة». الغرب بحلّته الأميركية يحبّ تبسيط الصورة، الأشرار تاريخياً هم ثلاثة: نازية الحرب العالمية الثانية (ألمانيا وحلفاؤها ومنهم اليابان، باستثناء الأوكران)، الشيوعية (بقيادة روسيا واتحادها السوفييتي)، والإرهاب (الإسلامي حصراً)، وها هي حماس على بعد خطابٍ واحدٍ ضد الطبقية لتجمع ثلاثية الشرّ في نظرهم. طبعاً، الإمبراطورية اليابانية لم تكن قطاعاً محاصراً من كل صوب، مساحته أقل من 400 كيلومتر مربّع، تمنع عنه أي مواد يمكن أن تتحول سلاحاً. ما فعلته كتائب القسام ليس عملاً إمبريالياً، بل إعجازاً في المقاومة يرهب الإمبراطوريات. تصوّروا ما يمكن أن تفعله مقاومةٌ غير محاصرة.
صادف ليل الجمعة ختام أسبوع عيد العُرش اليهودي، وهو ذكرى التحرّر من عبوديّة فرعون والعبور من مصر عبر الصحراء إلى أرض الميعاد بقيادة موسى. طقوس الليلة الأخيرة مما يُعرف بـ«سوكوت» بالعبريّة هي الاحتفال بالرقص التقليدي فرحاً بالحرّية. طبعاً، الرأسمالية جرّدت الاحتفالات الدينية الشعبية من الدّين واستبدلته بالاستهلاك، فكما أصبح رمضانُ مسلسلات تلفزيونيةً وإفطارات فاخرة، وكما خطف بابا نويل عيد الميلاد، بات آخر ليالي «سوكوت» مناسبة لشرب الخمر حتى الثمالة وحفلات راقصة في الصحراء حتى طلوع الضوء. لم يكن توقيت عبور المقاومين من غزة إلى تخوم صحراء النقب مصادفة. لا شيء في عملية «طوفان القدس» مصادفة. مثل هذه الصُّوَر لا يمكن أن تكون وليدة المصادفة. صحيح فوجئ «الإسرائيلي»، ولكن المفاجئ أكثر هو مرور نصف قرن بين السادس والسابع من تشرين. الأكيد هو أن انتظار عبور الثامن من أكتوبر لن يطول، ولن يفاجأ أحد يومها. الصورة في غاية الوضوح.