«ضربة قاضية لتطبيع العلاقات السعودية - الإسرائيلية»؛ «فشل ذريع للاستخبارات الإسرائيلية»؛ «حقبة جديدة من التعامل مع حماس»؛ تلك بعض من العناوين التي حفلت بها الصحف الغربية وتصريحات المسؤولين الغربيين والإسرائيليين، الذين تحدّث بعضهم، وبصراحة غير معهودة، عن «انتصار» كبير سجّلته المقاومة الفلسطينية، وعن عمليّة «ناجحة» «ومنسَّقة»، وسط ترقّب كبير لِما ستحمله الأسابيع المقبلة، مع رفْع المقاومة «سقف» المواجهة إلى مستوى لا يمكن الرجوع عنه، ووسط تساؤلات عمّا ستؤول إليه الأوضاع إذا قرّر «حزب الله» دخول الحرب.وفيما ينشغل المحلّلون الاستراتيجيون والعسكريون بتحليل التبعات الكارثية التي ستترتّب على العدوّ في أعقاب معركة «طوفان الأقصى»، سارع الإعلام الغربي، توازياً مع ذلك، إلى الحشد لحملات «تضامن» واسعة مع إسرائيل، مصوّراً إياها على أنّها ضحية «هجمات إرهابية»، في ما بدا محاولة لجرّ الرأي العام الغربي، الذي عبّر، في أكثر من محطة، عن «تعاطفه» مع الفلسطينيين لدى تنكيل إسرائيل بهم، إلى صفّ الأخيرة. وهو مشهد، إن دلّ على شيء، فعلى عمق الأزمة الإسرائلية، والتغيّر الهائل في موازين القوى على أرض الواقع، وتعثّر قوات الاحتلال، التي، ولأول مرة منذ عقود، تجد نفسها في «مرمى نيران» عملية بهذا الحجم.
وفي إطار المواجهة المستمرّة، يرى مراقبون غربيون أن ما تسبّب بـ«صدمة» فعليّة لإسرائيل، لم يكن الصواريخ التي أطلقتها المقاومة من غزة، والتي تجاوز عددها الخمسة آلاف، خلال الساعات الأولى من بدء العملية، بل تعقيدات الهجوم الذي «تمّ التخطيط والتحضير له بشكل جيّد إلى أقصى حدّ»، إذ تمكّن المقاومون من التسلُّل إلى الأراضي المحتلّة، برّاً وبحراً، وحتى جوّاً، عبر الطائرات الشراعية، ليَشرعوا في «قتْل الإسرائيليين»، وفق ما أورد موقع «المجلس الأطلسي». وفي موقف ينسحب على جميع المحلّلين الغربيين تقريباً، رأى هؤلاء أنّه لا يمكن وصْف ما حدث، سوى بـ«الفشل الاستخباري والأمني» الإسرائيلي، الذي تسبّب بضربة لِما كان يُعتقد أنه «نهج عدواني وناجح تتّبعه إسرائيل تجاه غزة».
على أن تقويم هذا الفشل، الذي من المفترض أن يشكّل «أولوية» في هذه المرحلة، لن يكون متاحاً فوراً، نظراً إلى أنّ حرباً محتّمة «قد بدأت لتوّها»، بحسب الموقع نفسه، الذي قسّم مخاوف المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية إلى شقَّين: أولاً، محاولة حماية من سمّاهم "المدنيين الإسرائيليين المحاصَرين" من قِبَل مقاتلي «حماس»؛ وثانياً، «محاولة منْع حزب الله من الانضمام إلى القتال». ويَظهر، في هذا الإطار، أن حلفاء إسرائيل، وفي مقدّمهم الولايات المتحدة، يضعون، بالفعل، في حساباتهم احتمال شنّ «حزب الله» هجوماً على الأراضي الفلسطينية المحتلّة، إذ تشدّد الإدارة الأميركية على ضرورة تجاوز الأزمات العالقة في مجلس النواب الذي أطيح رئيسه، كيفن ماكارثي، الأسبوع الماضي، لتمرير المساعدات اللازمة لقوات الاحتلال، وسط توقّعات بأن تشنّ تل أبيب «هجوماً مضادّاً ضخماً» على غزة، قد يستغرق عدّة أسابيع. وتعتقد الإدارة أنّ من المحتمل أن تحتاج إسرائيل إلى «مساعدة عسكرية أميركية إضافية»، وخاصّة «في حال توسُّع الحرب إلى ساحات قتال أخرى، مثل لبنان»، وفق ما ينقل موقع «أكسيوس» الأميركي عن مصادر مطّلعة، أفادت أيضاً بأنّ الرئيس جو بايدن تعهّد بالاستجابة لطلبٍ من رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بالحصول على «تمويل طارئ» من واشنطن، لشراء المزيد من الصواريخ الاعتراضية لتدعيم منظومة «القبّة الحديدية»، بعد التعثّر الكبير الذي أظهرته في التصدّي لسيل صواريخ المقاومة.
يتركّز الحديث في موسكو على أنّ الحرب في إسرائيل ستقوّض الدعم والاهتمام الأميركيَّين والغربيَّين بأوكرانيا


تزامناً مع ذلك، يتساءل خبراء عن سبب فشل الاستخبارات الأميركية أيضاً في توقُّع عمليّة «طوفان الأقصى»، على الرغم من محاولة مسؤولي الولايات المتحدة «التملُّص» من مسؤوليتهم، بذريعة أنّ إسرائيل لم «تتشارك، في حال علْمها بوجود أيّ احتمال وشيك، أيّ معلومات مع واشنطن». ووفق وسائل إعلام أميركية، فإن مسؤولين أميركيين يبحثون في «تعزيز تبادل المعلومات الاستخبارية مع الإسرائيليين»، على أن تشمل المعلومات التي تمّ جمْعها بواسطة الطائرات من دون طيّار، وعمليّات التنصّت والأقمار الاصطناعية، من دون ذكر تفاصيل إضافية. أمّا صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، فترى أن الهجوم «المرعب» الأخير الذي تعرّضت له إسرائيل، "يساهم أيضاً في إعطاء صورة واضحة عن حقيقة الأوضاع المحيطة" بالكيان. فضربةُ «حماس» أثبتت أن لدى «إسرائيل أعداء أقوياء يريدون تدميرها»، وأن الأخيرة فشلت في ردعهم بشكل فعّال، كما كان يُخيَّل لمؤسّستها الأمنية. ويرِد في تقرير الصحيفة، أن «أعداء إسرائيل» كانوا ينتظرون «الزمان المناسب»، ويتسلّحون ويحضّرون لعمليّة يكشف حجمها عن «أشهر عديدة من التخطيط»، وتلقّي مساعدة خارجية «من إيران بلا شكّ». ووفق التقرير، فقد «بات واضحاً حالياً كيف بإمكان إيران ووكلائها التصرّف بجرأة»، إذا أرادوا استباق أحداث، على غرار «المفاوضات بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل»، والتي قد يترتّب عليها حصول الرياض على برنامج نووي مدني. على أنّ المشكلة، وفقاً لوجهة النظر هذه، لا تقتصر على قوّة المقاومة المتصاعدة، بل تتعدّاها إلى الانقسامات الداخلية الإسرائيلية، التي «خلقت فرصة مؤاتية لأعداء» الكيان. وهكذا، بات «الشكل المستقبلي للحكومة الإسرائيلية»، كما هي حال أيّ اتّفاق سعودي - إسرائيلي محتمل، رهن نتائج الحرب، ومدى إمكانية توسُّع القتال إلى خارج الأراضي الفلسطينية، فضلاً عن الأثر المحتمل الذي سترخيه المعارك الدائرة على الاقتصاد العالمي.
وفي تقرير منفصل للصحيفة نفسها، يرد أنه ربّما تحاول «حماس» جرّ إسرائيل إلى «مستنقع مشابه للاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982»، علماً أن القوات الإسرائيلية تكون «أكثر عرضة للخطر عندما تقاتل براً». ولكن، حتى «الانتصار التكتيكي لإسرائيل» مستقبلاً، سيضعها أمام أسئلة مصيرية عمّا هو قادم، ولا سيما أن الخيارات تضيق أمامها، وتضعها أمام ضرورة شنّ حرب شاملة على قطاع غزة، مع ما سيترتّب على سيناريو كهذا من خسائر إضافية». وفيما رأى مسؤولون أميركيون، في حديث إلى «نيويورك تايمز»، أن «من السابق لأوانه» تحديد ما إذا كان الدافع وراء العمليّة الأخيرة هو رغبة «حماس»، ومن خلفها إيران، في تعطيل جهود بايدن للتوسّط في صفقة بين إسرائيل والسعودية، فهم أقرّوا بأنها قد تعقّد المفاوضات الحسّاسة بالفعل، وتجعل من الصعب للغاية التوصّل إلى اتفاق شبيه باتفاقات التطبيع السابقة بين إسرائيل والدول العربية الأخرى. ويتابع هؤلاء أنّه "بات على خطط بايدن الطموحة في الشرق الأوسط أن تتنحّى جانباً، تاركةً مكاناً لاشتباكات لن تنتهي في أيّ وقت قريب".
في موازاة ما تقدَّم، يتركّز الحديث في موسكو على أنّ الحرب في إسرائيل ستقوّض الدعم والاهتمام الأميركيَّين والغربيَّين بأوكرانيا، فيما ألقى الكرملين باللوم، في المقام الأول، على الغرب، لـ«إهماله الصراعات في الشرق الأوسط»، في مقابل دعم كييف والتدخّل في الشؤون الداخلية لروسيا.