لم يكن ما جرى في فلسطين «يوماً أسود» لإسرائيل وحدها. كان كذلك أيضاً بالنسبة إلى المطبّعين الذين شعروا بأن قدراً مماثلاً من الهزيمة التي حلّت بإسرائيل، أصابهم هم أيضاً، إلى حدّ دفع بالكثير من خبراء السياسة في الغرب إلى الاعتقاد بأن تسريع الخطى نحو التطبيع، ولا سيما من جانب السعودية، كان من بين أسباب ما جرى. والنتيجة التي خلص إليها هؤلاء أن التطبيع قد يجرفه «الطوفان». والتطبيع السعودي الذي تزايد الحديث عنه في الآونة الأخيرة، كان مقدّراً له أن يهدر الحقوق الفلسطينية ولو بحدّها الأدنى، وهو ما دلّ عليه مثلاً إهمال وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مقابلته مع قناة «فوكس نيوز» التي تطرّق فيها إلى التقدم الحاصل في المفاوضات مع العدو، أيّ إشارة إلى الدولة الفلسطينية، إذ كان تركيزه منصبّاً على الحصول على معاهدة عسكرية مع الولايات المتحدة تحمي نظامه.وفي رسالة مباشرة إلى دول التطبيع، ضمّن رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، خطابه أول من أمس، دعوة للدول العربية إلى التخلّي عن هذا المسار، مؤكداً: «نقول لكل الدول، بمن فيهم الأشقاء العرب، إن هذا الكيان الذي لا يستطيع حماية نفسه أمام هؤلاء المقاومين، لا يمكن أن يوفر لكم أيّ حماية»، مضيفاً إن «كل اتفاقيات التطبيع التي وقّعتموها معه، لا يمكن أن تحسم هذا الصراع». في المقابل، كان المفاوض الأميركي السابق في الشرق الأوسط، دينيس روس، الذي يعمل الآن في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، حاسماً في أن «الأمر كله يتعلق بمنع انفراجة أميركية - سعودية - إسرائيلية». لكن وكالة «رويترز» نقلت عن مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، طلب عدم الكشف عن اسمه، القول إنّ «من السابق لأوانه حقاً التكهن» بشأن تأثير ما يجري على التطبيع السعودي - الإسرائيلي، وإن «الجماعات الإرهابية مثل حماس، لن تعرقل أي نتيجة من هذا القبيل. لكن هذه العملية أمامها طريق طويل».
في المقابل، نقلت الوكالة عن مصدر إقليمي، وصفته بأنه مطّلع على تفكير إيران و«حزب الله»، القول إن «هذه رسالة إلى السعودي الزاحف نحو الإسرائيلي، غير آبه بالشعب الفلسطيني، وهذه رسالة إلى الأميركان الداعمين للتطبيع، وإلى الإسرائيلي، بأنه لا يوجد أمن في كل المنطقة ما دام الفلسطينيون خارج معادلاتهم».
دينيس روس: الأمر كلّه يتعلّق بمنع انفراجة أميركية - سعودية - إسرائيلية


في الاتجاه نفسه؛ ذهبت المحلّلة لورا بلومنفيلد من «كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة» في واشنطن، وفق الوكالة نفسها، إلى أن «هجوم حماس ربما جاء بسبب الشعور بالتهميش مع تقدّم الجهود لتوسيع العلاقات الإسرائيلية العربية». وقالت: «بينما كانت حماس تراقب الإسرائيليين والسعوديين وهم يقتربون من التوصل إلى اتفاق، قرروا: لا يوجد (لنا) مقعد على الطاولة؟ سمّموا الطعام». وكتب الديبلوماسي الأميركي السابق، ريتشارد ليبارون، الذي يعمل الآن في «المجلس الأطلسي للأبحاث»، بدوره، أنه «على رغم أنّ من غير المحتمل أن يكون هذا هو الدافع الرئيس للهجمات، فإن تحركات حماس تبعث رسائل واضحة إلى السعوديين بأن القضية الفلسطينية لا ينبغي التعامل معها كمجرد موضوع فرعي في مفاوضات التطبيع».
أما دول التطبيع نفسها، فأوحت مواقفها بأنها تسعى إلى تطويق آثار ما يجري على حكامها. وكان القاسم المشترك في خطاباتها جميعاً هو الدعوة إلى وقف النار من الجانبين، والمقصود بذلك هو وقف الظفر الفلسطيني الذي يمكنه إذا ما استمر أن يهزّ أركانها، ولا سيما أنه لا يواجه أي حاجز، لا طائفي ولا من أي نوع آخر، أمام تأييد شعوبها المطلق للمقاومة الفلسطينية. وأكد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، الذي أجرى اتصالات بنظراء له، من بينهم الأميركي، أنتوني بلينكن، «رفض السعودية استهداف المدنيّين العُزّل بأيّ شكل، وضرورة احترام القانون الدّولي الإنساني من جميع الجهات»، وشدد على «ضرورة تكاتف الجهود لتهدئة الأوضاع وتجنّب مزيد من العنف». كذلك، دعت وزارة الخارجية الإماراتية إلى وقف فوري لإطلاق النار، وعبّرت في بيان «عن قلقها الشديد إزاء تصاعد العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين»، وقدّمت «خالص التعازي لجميع الضحايا الذين سقطوا جراء أعمال القتال الأخيرة».
وفي الرباط، لم يخرج الخطاب الرسمي المغربي عن هذا الإطار، على رغم أن بضع مئات من المغاربة تظاهروا في المدينة تضامناً مع الفلسطينيين، وهو أمر غير ممكن في الإمارات أو السعودية. وإذ دانت وزارة الخارجية المغربية «استهداف المدنيين من أي جهة كانت»، فإنها دعت «بتعليمات من الملك محمد السادس»، إلى عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب باعتبارها رئيسة الدورة الحالية لمجلس «جامعة الدول العربية».