القاهرة | «صوت العرب من القاهرة»، هو الشعار الشهير لإذاعة «صوت العرب» المصرية، التي احتفلت هذا العام بعيدها السبعين. هذا الشعار لم يعد مسموعاً في تغطية معركة «طوفان الأقصى» التي ملأت الأرض صخباً منذ فجر السبت الماضي. كثيرون لا يعلمون أن المحطة التي لم تسقط رغم ما جرى عبر أثيرها إبّان تغطية حرب الـ67، تقاوم الموت البطيء منذ سنوات. فقد سحب نظام عبد الفتاح السيسي الإمكانات كلها من الإعلام الرسمي، في صميمه الإذاعة المصرية بمقدّراتها كافة، بحجة أنّها تكلّف الدولة ملايين الجنيهات شهرياً من دون طائل. بدلاً من التطوير والتحديث، كان القرار نزع ما تبقّى من مظاهر القوة، لتندثر الشاشات والراديوات التي عاشت عقوداً في هدوء، ولا ينعاها جيل معاصر لا يعرف أن أباءه تعلّموا القومية العربية عبر النوافذ الإعلامية المصرية.وصل الحال بـ«صوت العرب» إلى حجب كلفة الاتصالات الهاتفية الدولية، فاضطر المذيعون للحصول على تصريحات المصادر عبر تطبيق «واتسآب». بالإضافة إلى ضعف عام في الإرسال، وعدم زيادة أجور الموظفين، وغيرها من الأمور التي أوصلت المحطة إلى تغطية أقلّ من المتوسطة لـ «طوفان الأقصى». بل وبدأت متأخّرة عن عادتها، ومن دون أيّ أصوات حماسية، بما في ذلك أغنيات المقاومة الفلسطينية الشهيرة.

(محمد سباعنة ــ غزة)

«صوت العرب» هي نموذج يمكن عبره تلخيص المستوى العام للتغطية، الذي يتناقض مع الاستفادات الجمّة التي حصل عليها النظام المصري فور تحرّك كتائب القسام إلى الداخل الإسرائيلي.
النظام الذي كان يطمح إلى تجاوز الانتخابات الرئاسية من دون أزمات كبرى، وجد الجميع ينصرف إلى متابعة ما يجري على أرض فلسطين من دون الانتباه لِما يعانيه المعارضون في الشارع المصري. فيما عاد رؤساء الدول الكبرى إلى الاتصال بالسيسي بهدف التدخّل لوقف التصعيد، وهو الذي كان يعيش في شبه عزلة بسبب ملفّ حقوق الإنسان، بينما الاستفادة الكبرى جاءت بعد نزع فتيل التطبيع السعودي الإسرائيلي وعودة الدور المصري إلى الواجهة. ذلك كله لم يشفع للنظام بدفع إعلامه لمساندة القضية ولو ظاهرياً، فجاءت التغطية «خافتة وفاترة»، فضلاً عن أنّ معظم المنصّات تفتقد إلى الإمكانات الفنية والمهنية المناسبة لهذا النوع من الأحداث.
في غضون ذلك، استمرّت منصّات أخرى مثل فضائية «إكسترا نيوز» في متابعة نشاطات الحملة الانتخابية للسيسي، ومن المفترض أنّها أبرز قناة إخبارية محلية في المحروسة. أما «القاهرة الإخبارية» المصنّفة شاشة إقليمية، فيكفي القول إنّ عدد متابعيها على منصة الفايسبوك هو 10 في المئة من متابعي صفحة «الجزيرة ــ مصر» التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية. وكالعادة، تصدّرت الأخيرة اهتمامات المصريين، كونها صاحبة التغطية الأكثر انحيازاً للجانب الفلسطيني، بالمقارنة مع «سكاي نيوز عربية» و«العربية»، فيما تعرّض رئيس قطاع القنوات الإخبارية في «الشركة المتحدة» التي تمثّل حالياً الإعلام الرسمي، أحمد الطاهري، إلى حملة انتقادات وسخرية واسعة النطاق. فقد كتب عقب ساعات من انطلاق عملية «طوفان الأقصى» عبر صفحته على الفايسبوك، منشوراً من كلمتين: «الهدف مصر». الأمر الذي دفع المناوئين له لانتقاده وعدّ رسالته بمنزلة حملة لحشد التأييد للنظام المصري، بادّعاء أنّ ما يحدث في إسرائيل سيؤثر في المحروسة. هكذا، استغل الطاهري لاحقاً مقتل سائحين إسرائيليين في الإسكندرية لتأكيد «رؤيته»، رغم أنّ الحادث يعكس غياب التأمين والحيطة من الجانب المصري لا استهدافاً خارجياً.
لم تقدّم الصحف المصرية أيّ تغطية مميزة


كرّر الطاهري أيضاً إشادته بأداء مراسليه في غزة، والتغطية بصورة عامة رغم أنّها، وبعد ثلاثة أيام كاملة، لم تتفرّد بأي معلومة، ما أدى إلى تراجع الاهتمام ليس بالشاشة فقط، بل بالمنصات الرقمية أيضاً. ولاحظ معلّقون أنّ الطاهري ينسب الأخبار المنتشرة بالفعل إلى مراسليه في غزة وكأنهم انفردوا بها!
على خط موازٍ، لم تقدّم الصحف المصرية، سواء القومية ذات التاريخ مثل «الأهرام»، أو التابعة للمتحدث كـ «اليوم السابع» أو «الوطن»، أيّ تغطية مميزة، بل كانت الصدارة للتحرّكات الرسمية. وتأتي إحصائيات القتلى الإسرائيليين أو الشهداء الفلسطينيين في المرتبة الثانية، سواء أفي الصفحات الأولى أم حتى في ترتيب نشرات الأخبار الإذاعية. وكأنّ المهم هو رد فعل الرئيس المصري، لا الفعل نفسه الذي أدهش الجميع حول العالم ولم يدهش متابعي الإعلام المصري كون «صمته» بدأ قبل ذلك بكثير.