أبواب الجحيم فُتحت، وشياطين الأرض لم تترك حجراً في غزة من دون إصابته بالبارود والنار. غزة، السجن الكبير، تلك الأرض المسطحة والمكشوفة أمام جنون الطائرات الحربية الإسرائيلية، لا مكان فيها لاختباء العُزّل. فبنك الأهداف الإسرائيلي لا يرتوي إلا بدماء المدنيين. أمس الثلاثاء، ارتفع عدد الشهداء في صفوف الجسم الإعلامي إلى سبعة، هم: إبراهيم لافي، ومحمد جرغون، ومحمد الصالحي، وأسعد شملخ، وسعيد الطويل، ومحمد صبح أبو رزق، وهشام النواجحة. هذا ما أعلنه المكتب الإعلامي للحكومة في قطاع غزّة، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّ وحدة الرصد والمتابعة التابعة له وثّقت عشرات الاعتداءات والجرائم بحق الصحافيين ووسائل الإعلام.وأشار في بيان إلى «إصابة أكثر من عشرة صحفيين بجروح وإصابات متفاوتة، وفقدان الاتصال مع اثنين من الزملاء، هما: نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد»، مؤكّداً استهداف منزلي الصحافيين رامي الشرافي وباسل خير الدين وهدمهما كلياً، وتضرر منازل عشرات الصحافيين الآخرين جزئياً.

(محمد سباعنة ــ غزّة)

ولفت المكتب إلى أنّ أضراراً بليغة لحقت بمقار عشرات المؤسّسات الإعلامية، كلياً وجزئياً، جراء قصف مباني وأبراج سكنية، من ضمنها برجي «فلسطين» و«وطن»، حيث حُصر تضرر أكثر من 40 مقرّاً إعلامياً. وشدّد على «مواصلة صحفيينا لدورهم المهني وواجبهم الوطني بتغطية مجريات العدوان، وبذل مزيد من الجهد لفضح جرائم الاحتلال وكشف زيف ادعاءاته». وفيما أدان «جرائم الاحتلال»، طالب المكتب بتشكيل لجنة تحقيق دولية، داعياً المؤسسات المعنية بحرية العمل الإعلامي إلى شطب عضوية الاحتلال منها كإجراء ضاغط وموقف أوّلي وسط هذه الجرائم المرتكبة.
ووفقاً لمراسلة قناة «الجزيرة» في غزة، هبة عكيلة، فإنّ «بعض الوجوه تشوّهت وتعذّر التعرف إليها، ما جعل بعض الصحافيين ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للملابس الواقية التي كان الضحايا يرتدونها من أجل التعرف إلى الجثث».
في هذا السياق، تقدّم «الاتحاد العام للصحافيين العرب» بـ«خالص العزاء وصادق المواساة في شهداء فلسطين وتدمير بعض المؤسسات الإعلامية، ومنها مقر صحيفة «الأيام» و«مؤسسة فضل شناعة» و«وكالة شهاب» و«إذاعة غزة» داخل «برج فلسطين»...». وطالب الاتحاد «المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والحريات الإعلامية كافة بضرورة ملاحقة المرتكبين وتقديمهم للعدالة وإدانة هذه الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال ضدّ الشعب الفلسطيني».
محلياً، أعربت «​نقابة محرّري الصحافة اللبنانية»​ عن «تضامنها مع ​الشعب الفلسطيني​ في وجه المجزرة الإسرائيل​ية التي يتعرّض لها في ​غزة»، ودانت «استهداف الصحافيين والإعلاميين والمصورين وهم يؤدّون واجبهم المهني، حيث سقط شهداء، كما دُمّرت مؤسّسات صحافيّة ووكالات أنباء و«إذاعة غزة»...». ودعت النقابة إلى «أوسع تحرّك عربي ودولي لإدانة إسرائيل ومقاضاتها أمام ​محكمة العدل الدولية​، على قتلها المتعمّد للمدنيّين والصّحافيّين والإعلاميّين والمصوّرين، وتحميلها مسؤوليّة ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة». كذلك، أقيمت وقفة تضامنية لمراسلي الفضائيات اللبنانية والعربية والإيرانية والأجنبية ومصوّريها مع الصحافيين المقاومين في غزة، ومواساةً لعائلات الشهداء الصحفيين وزملائهم عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
وأعربت «لجنة حماية الصحافيين» التي تتخذ من نيويورك مقرّاً لها عن «انزعاجها العميق إزاء التقارير التي تفيد بأن ستة صحافيين على الأقل كانوا من بين المدنيين الذين قُتلوا أو أُصيبوا أو فُقدوا».
وطالب منسق اللجنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، شريف منصور «الأطراف جميعها أن تتذكر أن الصحافيين هم مدنيون ولا ينبغي استهدافهم».
وسط استمرار المعركة واستشراس الوحش الإسرائيلي الذي تلقى ضربة قاسمة من المقاومين الفلسطينيين، لا حدود لحفلة الجنون الدائرة، ولا ضمانات أو دلائل على أن الصحافيين لن يكونوا أهدافاً مجدّداً. فهذا عدوّ يتعمّد قتل أهل السلطة الرابعة. لم ننسَ شيرين أبو عاقلة (1971 ــ 2022) بالرصاص الحيّ أثناء تغطيتها غارة عسكرية على مدينة جنين في الضفة الغربية. رغم أنّ مراسلة شبكة «الجزيرة» القطرية كانت ترتدي خوذة وسترة الصحافة الواقية من الرصاص، ولكن قنّاصاً صهيونياً أطلق النار عليها، ضارباً بعرض الحائط قانون حماية الصحافيين.
وهذا العدو الذي قال وزير حربه، يوآف غالانت، إنّه يتعامل مع «حيوانات بشرية» في غزّة، يريد نزع صورة الإنسانية عن الشعب الفلسطيني، وتسعير عملياته العسكرية ضد سكان القطاع. لكنّ هذا التوجّه الذي حدّده غالانت، تتصدّى له الصور والمعلومات التي ينقلها الصحافيون الذين يُبرزون حجم الهمجية الإسرائيلية غير المسبوقة التي يتعرّض لها سكان أكبر سجن مفتوح في العالم. فلا بدّ من إسكاتهم!