باغتت عمليّة «طوفان الأقصى»، وما تلاها من «حفلة دم» جنونية على أيدي قوات الاحتلال، في حقّ مدنيين وصحافيين ومنازل ومستشفيات في قطاع غزة، الوفد الأميركي الرفيع المستوى الذي كان يجري «زيارة نادرة» للصين؛ إذ يبدو أنها زادت على سلة القضايا العالقة بين واشنطن وبكين، قضية إضافية، ولا سيما مع رفض الأخيرة تبنّي «السردية الأميركية» حول الأحداث الدائرة في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، والقائمة على حتمية الاختيار ما بين «إرهابيين يهاجمون ومدنيين مسالمين». أمّا على الجانب الروسي، فقد روّجت موسكو، التي حمّلت واشنطن علناً مسؤولية أيّ تفلت للأوضاع في الشرق الأوسط، سردية أن الحرب التي من المرجّح ألّا تنتهي قريباً في غزة، ستنعكس سلباً على المساعدات الأوكرانية المتعثّرة بالفعل، في موقف ينسحب أيضاً على عدد كبير من المحلّلين الأميركيين.وعلى طريقة مَن «يبيع» المواقف لـ«صديق» يمرّ بأوقات عصيبة، زعم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي، الديمقراطي تشاك شومر، الذي يزور الصين برفقة خمسة أعضاء بارزين في المجلس، أنّ «بكين استجابت لطلب قدّمه إلى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، يطالب فيه بإظهار تعاطف أكبر مع الشعب الإسرائيلي»، بعد هجوم «حماس». وعلى حدّ تعبيره، فقد أثار شومر، في أول زيارة من نوعها للصين منذ عام 2019، والهادفة إلى التخفيف من حدّة التوترات بين البلدَين، مع شي، مسألة «الفظائع المُرتكبة ضدّ إسرائيل، وضرورة أن يقف المجتمع الدولي صفاً واحداً في مواجهة الإرهاب، ومع الشعب الإسرائيلي»، مشيراً إلى أنه طلب من الرئيس الصيني أن يكون بيان الخارجية الصينية، الذي دعا أساساً إلى «الهدوء»، و«تطبيق مبدأ حلّ الدولتين»، ووصفه شومر بـ«المخيّب للآمال»، «أشدّ لهجة» في اتّجاه إظهار «الدعم لإسرائيل»، وأن بكين «استجابت لهذا المطلب بالفعل».
على أنّه، وفي أعقاب المزاعم الأميركية الأخيرة، وبدلاً من الانحياز إلى «الجانب الإسرائيلي»، فقد انتهجت بكين لهجةً أكثر عدائية إزاء الدور الأميركي في تأجيج الصراع، وعدم احترام حقوق الفلسطينيين، مؤكدةً أنّ واشنطن لن تنجح في إرغامها على إدانة «حماس»، أو «اختطاف» موقف الصين «الأخلاقي»، وآملةً في أن تفتح زيارة شومر «نافذة» أمام واشنطن، لفهم «موقف الصين الفعلي» من الصراعات في الشرق الأوسط. وأوردت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية المملوكة للدولة، تقارير عدّة في هذا الجانب، جاء في أحدها أنه في «تكرار لتكتيكها المتمثّل في تأجيج النيران، كما تفعل في الأزمة الروسية - الأوكرانية»، تضغط الولايات المتحدة مرّة جديدة على دول أخرى، بما في ذلك الصين، لإدانة «حماس»، مشيرةً إلى أن الخبراء الصينيين أقرّوا، على نطاق واسع، بأن العملية الأخيرة جاءت كردّ فعل «على أجندة الولايات المتحدة الأنانية، التي تضغط من أجل التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، متجاهلةً، في الوقت عينه، احتياجات الشعب الفلسطيني». كما دانت بكين ما وصفته بـ«قرار واشنطن الأحادي الجانب، إرسال أسلحة وسفن حربية إلى إسرائيل»، معتبرةً أنّه لن يساهم إلّا في تأجيج التوترات في الشرق الأوسط.
انتهجت بكين لهجةً أكثر عدائية إزاء الدور الأميركي في تأجيج الصراع، وعدم احترام حقوق الفلسطينيين


وفي تقرير منفصل أوردته الصحيفة الصينية نفسها، لفت مراقبون إلى أنه «يصعب العثور على أصوات تدعو إلى ضبط النفس، أو إلى وقف إطلاق النار في واشنطن، حيث ينتشر، بدلاً من ذلك، الخطاب التحريضي والمتهوّر والمجنون»، إذ تحدّث بعض المسؤولين والمراقبين عن أن ما «يحصل في إسرائيل قد يتكرّر قريباً في الولايات المتحدة»، لأن الصين «تخطّط لشن هجوم» عليها، فيما قالت المرشّحة للرئاسة عن «الحزب الجمهوري»، نيكي هايلي، إن «هذا الهجوم ليس مجرّد هجوم على إسرائيل، بل على الولايات المتحدة. ويجب القضاء عليهم»، في إشارة إلى المقاومة الفلسطينية. يأتي هذا في وقت يحاول فيه الغرب تصوير العملية التي شنّتها «حماس» على الاحتلال على أنّها تستهدف الغرب بأكمله، ويدعو بالتالي العالم إلى الاصطفاف في «معسكره»، في إستراتيجية قالت بكين إنّها «ستفشل»، كما حصل في أعقاب العملية العسكرية الروسية المستمرّة.
أمّا موسكو، التي دعت أيضاً إلى «التهدئة» والالتزام بالقرارات الدولية، رافضةً، بدورها، إدانة حركة «حماس»، فقد ألقت باللوم، في المقام الأول، على الغرب، لـ«إهماله الصراعات في الشرق الأوسط»، في مقابل دعم كييف والتدخّل في الشؤون الداخلية لروسيا، متحدثةً عن أن الدعم الغربي، والأميركي تحديداً، الذي كانت تعطّله أخيراً، بشكل علني، الانقسامات الداخلية الأميركية الحادّة، سيواجه المزيد من الصعوبات مستقبلاً. وقد تبنّى عدد من المحلّلين الأميركيين وجهة نظر روسيا هذه، إذ كتب، على سبيل المثال، توماس فريدمان، في «نيويورك تايمز»، أنّ «زلزال حماس» الأخير سيؤدّي إلى زلازل أخرى، ولا سيما في ما يتعلّق بالملفّ الأوكراني، إذ كانت أوكرانيا تتعامل بالفعل مع «زلزال» في الحكومة الأميركية، في أعقاب الفوضى الداخلية في مجلس النواب، لافتاً إلى أنّه إذا كانت إسرائيل على وشك غزو غزة والشروع في حرب طويلة، فسيتعيّن على كييف أن تقلق في شأن «منافسة تل أبيب لها على صواريخ باتريوت، وقذائف المدفعية من عيار 155 ملم»، وغيرها من الأسلحة الأساسية التي تحتاج إليها أوكرانيا بشدّة، «والتي ستحتاج إليها إسرائيل طبعاً». وتزامناً مع ذلك، يشعر المسؤولون والخبراء الأوروبيون بالقلق من أن روسيا «قد تستغلّ الفوضى المحيطة بهجوم (حماس) على إسرائيل»، ما سيجعل الكرملين أكثر قُرباً من إيران.
لكن في موقف متمايز عن الموقف الروسي الرسمي، زعم الرئيس الروسي السابق، دميتري ميدفيديف، في رسالة نشرها عبر تطبيق «تلغرام»، أن «الأسلحة التي تمّ تسليمها لنظام النازيين الجدد في أوكرانيا، تُستخدم بنشاط في إسرائيل». وأضاف: «في المستقبل، سيتمّ استخدام مثل هذه الأسلحة التي تركها خلفهم الأميركيون الهاربون من أفغانستان، بلا حسيب ولا رقيب، في النقاط الساخنة جميعها».
هكذا، شكّلت ردود الفعل الروسية مزيجاً من الدعوات العالية المستوى إلى انتهاج «الدبلوماسية» من جهة، إذ قدّمت موسكو نفسها على أنّها «وسيط جدير بالثقة»، «والتهليل» لهجوم «حماس»، الذي تمّ تصويره على أنه مفيد لروسيا، نظراً إلى أنّه «سيشتّت» الداعمين الغربيين لكييف، من جهة أخرى. وفي إطار الموقف الأخير، يبدو أنّ سياسة الاصطفاف الحتمي إلى جانب أحد طرفَي الصراع، والتي لا تزال واشنطن تحاول اتّباعها، «تنقلب عليها» مرّة جديدة. وفي هذا السياق، تفيد صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، بأن عدداً من السياسيين والنقّاد الروس ركّزوا، في أعقاب عمليّة «طوفان الأقصى»، على «أهميّة علاقة روسيا بإيران»، ووصفوا الهجمات في إسرائيل بأنها «تطوّر مفيد في صراع أوسع بين روسيا والولايات المتحدة». ومن بين هؤلاء، النائب الروسي وعضو حزب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، «روسيا الموحّدة»، أندريه جوروليوف، الذي تساءل عبر «تلغرام»: «إسرائيل هي حليفة مَن؟ حليفة الولايات المتحدة».