رام الله | تتصاعد الأحداث في الضفة الغربية والقدس المحتلّتين، وسط مخاوف إسرائيلية من اشتعالهما على نحو يعيد إلى ذهن قيادة العدو السيناريو الذي ساد الأراضي المحتلّة خلال معركة «سيف القدس» منذ سنتين. ولليوم الرابع من «طوفان الأقصى»، يزداد الفلسطينيون جراءة على استهداف جنود الاحتلال ومستوطِنيه في الضفة، على الرغم من محاولات الاحتلال إبقاء هذه المنطقة هادئة ومنعزلة عمّا يجري في غزة. وفي المقابل، يدرك قادة المقاومة جيداً أهمية «وحدة الساحات»، وهو ما شدّد عليه قائد أركانها، محمد الضيف، منذ اللحظة الأولى لـ«طوفان الأقصى»، وتوالت الدعوات إليه في سائر الخطابات. وضمن هذا السياق، دعت حركة «حماس»، الفلسطينيين وأبناء الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم، إلى إعلان النفير العام يوم الجمعة المقبل، تحت عنوان «جمعة طوفان الأقصى» نصرة للقدس والأقصى وغزة، والانتفاض والخروج في حشود تأكيداً لوحدة المصير والمسار. وبطبيعة الحال، فإن اشتعال ساحة الضفة بما فيها حواري القدس وبلداتها، بشكل أوسع مما يجري حالياً، كما دخول الداخل الفلسطيني المحتلّ على خط المواجهة على غرار ما جرى في معركة «سيف القدس»، أو بشكل أوسع وأكثر زخماً مما حدث آنذاك، يمثّل واحداً من أكثر السيناريوات التي تخشاها إسرائيل، إذ إن ذلك من شأنه أن يشتّت «القوة» التي تريد دولة الاحتلال حشدها في قطاع غزة، فضلاً عن أنه يفقدها السيطرة والتحكّم، ويراكم خسائرها والضغوط على قادتها، في مقابل تخفيف الضغط على القطاع، وتقريب موعد وقف العدوان.
وعلى هذه الخلفية، ومنذ بدء معركة «طوفان الأقصى»، سعّر الاحتلال من عمليات الاعتقال والاقتحام في الضفة، حيث شنّت قواته، فجر أمس، حملة واسعة طاولت 45 مواطناً على الأقل، تعرّضوا للضرب المبرح وتخريب منازلهم في أثناء الاعتقال، ليرتفع عدد معتقلي الضفة منذ بدء المعركة إلى 120 مواطناً على الأقل. إلا أن ذلك لم يمنع الأجنحة العسكرية للمقاومة من الاستمرار في محاولة تعزيز دورها كمّاً ونوعاً، أي بمعنى تنفيذ عمليات نوعية، وزيادة عددها وعلى كل المحاور. وفي هذا الإطار، تمكّن مقاومون، صبيحة أمس الثلاثاء، من تنفيذ عدة عمليات إطلاق نار، أبرزها استهداف مركبة للمستوطنين عند مفرق جيت قرب نابلس، واشتباك مسلح في بلدة بيت أمر عقب تشييع جثمان الشهيد منتصر الزعاقيق، الذي ارتقى أول من أمس.
وكان شهد مساء الإثنين تنفيذ عدة عمليات نوعية في أكثر من منطقة، إذ خاضت المقاومة اشتباكاً مسلّحاً في مدينة نابلس، كما تعرّضت قوات الاحتلال لإطلاق نار في أكثر من منطقة في محافظة جنين، بينما نفّذت المقاومة عملية نوعية أصيبت فيها مستوطنة بجروح خطيرة قرب مستوطنة «عيناف» المقامة على أراضي محافظة طولكرم، وأعلنت «كتيبة طولكرم» في «سرايا القدس» مسؤوليتها عنها. أيضاً، أطلق مقاومون النار بكثافة تجاه قوات الاحتلال المتمركزة على حاجز الجلمة شمال جنين، في عملية مشتركة لفصائل المقاومة في مخيم جنين، وعلى حاجز دير شرف قرب نابلس، وقرب بوابة السياج الفاصل في بلدة شويكة، وقرب قرية الفندق شرق قلقيلية، وعند فتحة زيتا شمال طولكرم.
عزل الضفة يبدو بعيد المنال، بالنظر إلى اتّساع مساحات اشتباكها وتطوّر نوعيته مع تقدّم الوقت


أما في القدس المحتلة، فاندلعت مواجهات على حاجز مخيم قلنديا، وفي بلدتَي سلوان والعيساوية، وفي مخيم شعفاط، وكذلك في مخيم العروب شمال الخليل، بعد استشهاد الشاب محمد ماجد حماد الليلة الماضية، وفي مخيم الدهيشة في بيت لحم، وعلى المدخل الشرقي لمدينة قلقيلية لليوم الثالث على التوالي، فيما انطلقت مسيرات داعمة للمقاومة في مناطق مختلفة من الضفة، بينها مخيم الدهيشة، ومخيم عين السلطان، ومدينة جنين، وأريحا، وطولكرم، ونابلس، وشارع عين سارة وسط الخليل، وبلدة طمون.
وبالعودة إلى حملات الاعتقال، فهي تشكّل أبرز السّياسات الثّابتة والممنهجة التي تستخدمها قوات الاحتلال بهدف تقويض أيّ حالة مواجهة متصاعدة، كما أنها من أبرز أدوات سياسة العقاب الجماعيّ التي تشكّل كذلك وسيلة مركزية لدى الاحتلال في استهداف المواطنين، إلى جانب سياسات أخرى من بينها إغلاق الحواجز العسكرية، وإغلاق البلدات والمدن. وفي السياق، شدّد الاحتلال، أمس، من إجراءاته العسكرية التي بدأها بالتوازي مع عدوانه على غزة، ليعلن إغلاق المعابر الحدودية، وتلك الواصلة بين الضفة والقدس وأراضي عام 1948، كما منع مرور الفلسطينيين عبر طرق التفافية في الضفة، مهدّداً بإطلاق النار عليهم وقتلهم.
وإذ تأتي هذه الإجراءات في إطار محاولات عزل الضفة، فإن تحقيق هذا المطلب يبدو بعيد المنال، بالنظر إلى أن الضفة المشتعلة منذ قبل «الطوفان»، لا تفتأ تتّسع مساحات اشتباكها وتتطوّر نوعيته مع تقدّم الوقت، بينما تشهد الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مناوشات وعمليات مختلفة بدأتها المقاومة الإسلامية بقصف 3 مواقع لجيش الاحتلال وتنفيذ «سرايا القدس» عملية اقتحام للحدود، وسط استمرار احتمال تدخّل «حزب الله» في الحرب. ومنذ بدء «طوفان الأقصى» وحتى ظهيرة أمس الثلاثاء، سُجل 412 عملاً مقاوماً، وفقاً لإحصائيات «مركز معلومات فلسطين» (مُعطى)، من بينها 116 عملية إطلاق نار، أصيب فيها 7 من جنود الاحتلال والمستوطنين، فيما اشتبك الفلسطينيون مع قوات الاحتلال في 113 نقطة.