رام الله | تصاعدت حدّة الاشتباكات المسلّحة وعمليات إطلاق النار على المستوطنات والحواجز العسكرية التي رفع جيش الاحتلال حالة التأهب عليها، وزاد من عددها، وكثّف من وجوده العسكري فيها، ما أدّى إلى استشهاد 7 شبان يوم الثلاثاء فقط، اثنان منهم من سلوان في القدس، ليرفع عدد شهداء الضفة الغربية المحتلة منذ بدء «طوفان الأقصى» إلى 24. وخرج آلاف الفلسطينيين، مساء أول من أمس، في مسيرات في مدن الضفة وبلداتها، دعماً للمقاومة، وإسناداً لقطاع غزة الذي يشهد مجازر دموية. وبدأت بعض المسيرات في مراكز المدن، ومن ثمّ انتقلت إلى مراكز التماس والحواجز العسكرية. كذلك، انطلقت، في ساعات فجر أمس، مسيرات بالمركبات نحو الحواجز، لتندلع مواجهات خلّفت إصابات في صفوف الشبان الفلسطينيين.وتصدّرت مدينة القدس، بأحيائها وبلداتها، مشهد اشتباكات الثلاثاء، بعدما قتلت شرطة الاحتلال الشابَّين: علي عبيسان (25 عاماً)، وعبد الرحمن نضال فرج (18 عاماً)، في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، بدعوى إطلاقهما الألعاب النارية على عناصرها خلال المواجهات التي اندلعت في المدينة. وبعدما أصابتهما بنيرانها، منعت شرطة الاحتلال وصول مركبات الإسعاف إلى الشابَّين وتركتهما ينزفان، ثمّ احتجزت جثامينهما بعد استشهادها. أما في جنين، فاستشهد الشابان: أحمد ومحمود سباعنة بعد إصابتهما بالرصاص الحيّ على حاجز الجلمة شمال جنين، إثر اندلاع اشتباكات مسلحة، استهدفت قوات الاحتلال على إثرها سيارة كانت تقف قرب الحاجز، وفتحت النار عليها ما أدى إلى استشهاد راكبَيها. كما فتح جنود العدو النار على سيارة نقل «تاكسي»، ما أدى إلى إصابة ثلاثة شبان من جنين، أحدهم جروحه خطيرة. كذلك، استشهد الشاب علي عليان وجُرح 6 آخرون من بلدة باقة الشرقية شمال طولكرم، بعدما أصابتهم شظايا صواريخ «القبة الحديدية» خلال محاولة اعتراضها صواريخ المقاومة التي انطلقت في الساعة الخامسة في اتجاه عسقلان ووصلت إلى شمال الضفة.
ومنذ بدء معركة «طوفان الأقصى»، زادت قوات الاحتلال من نشر البوابات الحديدية والحواجز العسكرية بين المدن والبلدات والقرى الفلسطينية، وعادت إلى تكثيف وجودها العسكري على الحواجز الرئيسة، إضافة الى إقامة الحواجز المتنقلة «الطيارة»، وفرض حصار خانق على المعابر، وهو ما حدّ كثيراً من تنقّلات المواطنين، وجعل الضفة أشبه بسجون كبيرة متراصّة. وفي الواقع، تبدو الأوضاع في الضفة، وإن كانت لا تحظى بالاهتمام أو المتابعة نظراً إلى حجم النار الموجَّه من قِبل جيش الاحتلال ضدّ قطاع غزة، في غاية التوتّر، وهو ما تدرك سلطات العدو، ومن خلفها الولايات المتحدة، الأثر الذي سيخلّفه في حال بلوغه مرحلة الانفجار. وفيما أعطت الإدارة الأميركية الضوء الأخضر لإسرائيل لشنّ العدوان على غزة، فهي تبقى على تواصل دائم مع رئاسة السلطة الفلسطينية، لحثّ الرئيس محمود عباس على تعزيز خطوات الاستقرار في الضفة، علماً أن «أبو مازن» ادّعى أنه رفض طلباً أميركياً بإصدار إدانة لعملية «طوفان القدس». يأتي ذلك بينما تعمل الإدارة الأميركية، منذ بدء المعركة، كوزارة خارجية لإسرائيل، إذ تتكفّل بالاتصال مع الدول العربية من أجل حثّها على إدانة ما قامت به المقاومة، ومنع تصدير مواقف إدانة لإسرائيل، وضبط شعوبها والحيلولة دون تنظيم تظاهرات ضخمة قد تسهم في تأجيج الأوضاع الأمنية، وخصوصاً في ما يُعرف بـ«دول الطوق».
تداعيات «الطوفان» لا تفتأ تتزايد في «دول الطوق» والإقليم والعالم، وهي مرشّحة للازدياد مع استمرار إسرائيل في عدوانها على غزة


إلا أن الواقع يقول إن تداعيات «الطوفان» لا تفتأ تتزايد في تلك الدول والإقليم والعالم، وهي مرشّحة للازدياد مع استمرار إسرائيل في عدوانها على غزة. وعلى رغم أهمية ما يُسجَّل دولياً في إسناد القطاع وإدانة جرائم الاحتلال، من مسيرات وتظاهرات، تبقى تفاعلات الساحات المحيطة بفلسطين هي الأهمّ والأقدر على التأثير في الأحداث، وهذا ما بدأ يتّضح منذ اللحظات الأولى للمعركة، إذ إن المقاومة في لبنان وسوريا شرعت في تسخين الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، بينما شهدت مصر، منذ اليوم الأول، عملية فدائية أطلق خلالها شرطي مصري النار على وفد سياحي من المستوطنين وقتل إسرائيلياً. وفي السياق نفسه، شهد الأردن طوفاناً بشرياً متضامناً مع غزة، ومندداً بالعدوان عليها، وداعياً إلى طرد سفير الاحتلال وفتح الحدود مع فلسطين، وهو ما دفع إسرائيل إلى إعلان إخلاء العاملين كافة في مبنى سفارتها في العاصمة عمان. إلا أن هذا القرار لم يمنع المئات من الأردنيين من مواصلة حشدهم لليوم الرابع على التوالي قرب مقرّ السفارة، حيث طالبوا الحكومة بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع الاحتلال. وبدا لافتاً الحشد الجماهيري الكبير الذي شارك في المسيرة التي دعت إليها «الحركة الإسلامية» هناك، والتي انطلقت من أمام «المسجد الحسيني» ورفع المشاركون فيها لافتات تؤكد الانحياز الشعبي الكامل إلى جانب المقاومة. وفيما تولّد المملكة الأردنية من الناحية الجغرافية قلقاً كبيراً لدى إسرائيل، كونها تملك أكبر مقطع من الحدود البرية مع فلسطين المحتلة، فقد شهدت الأشهر الماضية ارتفاعاً كبيراً في عمليات تهريب الأسلحة والعبوات الناسفة من الأردن إلى الضفة، بحسب العدو، الذي اتهم «حماس» وإيران بتهريبها، في وقت حذّر فيه المراقبون والخبراء الإسرائيليون من وقوع عمليات على الحدود الأردنية على غرار عملية الجندي المصري، محمد صلاح، الذي قتل 3 جنود إسرائيليين.
والجدير ذكره، هنا، أن الأردن تقطنه النسبة الأكبر من الفلسطينيين الذين تهجّروا عامَي 1948 و1967، وشكّل الحاضنة الأولى للثورة الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي، فيما شهدت حدوده مع فلسطين مئات العمليات والاقتحامات التي نفّذها فدائيون. وعلى رغم إبرام الأردن «اتفاقية سلام» مع الاحتلال عام 1994، إلا أن الشعب الأردني يعدّ من الشعوب المؤيدة للمقاومة المسلحة للاحتلال والرافضة للتطبيع معه، فضلاً عن أنه يدرك أن بلاده مستهدَفة، هي الأخرى، بالمخطّطات الإسرائيلية، من زاوية النظر إليها على أنها «دولة الفلسطينيين» التي يجب أن تكون. ولطالما وقعت على الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة عمليات فدائية نفذها مواطنون أردنيون أو عناصر من الجيش الأردني. وفي السياق، من المتوقع أن يرتفع الزخم الشعبي في الأردن خلال الأيام المقبلة إسناداً لقطاع غزة، في حين قد تشهد المدن الأردنية، يوم الجمعة المقبل، مسيرات شعبية غير مسبوقة استجابة للدعوة التي أطلقتها «حماس» إلى الدول العربية.
وتأمل المقاومة مساهمة جميع الشعوب العربية في إسنادها على كلّ المستويات، لما لذلك من أثر في تخفيف الضغط عنها. وفي السياق، دعا رئيس حركة «حماس» في الخارج، خالد مشعل، الأمّتين العربية والإسلامية إلى «الخروج يوم الجمعة القادم، في الميادين والساحات والشوارع في كل مكان»، مخصّصاً أبناء دول الطوق (الأردن، سوريا، لبنان ومصر) بالدعوة لأن «واجبهم أكبر كونهم الأقرب إلى فلسطين». وحثّ مشعل العشائر الأردنية على المشاركة في المواجهة التي تخوضها المقاومة، قائلاً: «يا عشائر الأردن، يا أبناء الأردن، يا إخواني وأخواتي في الأردن، هبّوا لنصرة أهل فلسطين، فالحدود قريبة منكم»، متابعاً: «نريد أن يكون يوم الجمعة جمعة طوفان الأقصى، كي نردّ على الصهاينة وقادتهم المجرمين وغلاتهم، والأميركان الذين هبّوا لنجدتهم».