رام الله | تعيش الضفة الغربية، من شمالها إلى أقصى جنوبها، حرباً حقيقية تشنّها قوات الاحتلال وعصابات المستوطنين على القرى والبلدات والمدن الفلسطينية، كان آخر ضحاياها المواطن إبراهيم الوادي ونجله أحمد من بلدة قصرة، واللذان استشهدا عصر أمس خلال هجوم المستوطنين وشرطة الاحتلال بالأسلحة على موكب تشييع 4 شهداء ارتقوا برصاص مستوطنين في البلدة يوم الأربعاء، ليرتفع عدد شهداء القرية إلى 6 في أقلّ من 24 ساعة. وينتشر المستوطنون المسلّحون على طول الشارع الرئيس بين مدينتَي رام الله ونابلس، ويطلقون الرصاص الحيّ على المركبات، كما ويشنّون هجمات مسلّحة على القرى والبلدات الفلسطينية، في ما يرونه فرصة مؤاتية لابتلاع الضفة، في ظلّ العدوان على قطاع غزة. وفي السياق، وجّه وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، الثلاثاء الماضي، وزارةَ «الأمن الوطني» بشراء أكثر من 10 آلاف بندقية رشاشة لتوزيعها على وحدات الحراسة المدنية في بلدات تقع ضمن «غلاف غزة» والضفة والمدن المختلطة في الداخل، بينما وقّع رئيس «مجلس مستوطنات شمال الضفة»، يوسي داغان، أمس، على صفقة أسلحة لشراء مئات البنادق الهجومية بهدف تعزيز الوحدات الاحتياطية في المستوطنات.وشنّ العشرات من المستوطنين هجوماً مسلّحاً على قرية جيت شرق قلقيلية، وسط إطلاق نار عشوائي على المواطنين، وقاموا باختطاف طبيب فلسطيني، واقتادوه إلى جهة مجهولة، قبل أن يفرج الجيش عنه بعد الاعتداء العنيف عليه. كما اقتحم مستوطنون جبال كوبر وبيتللو قرب رام الله، لكنّ مقاومين تصدّوا لهم بإطلاق النار عليهم، ليندلع اشتباك مسلّح بين الطرفَين. كذلك، رحّل مستوطنون جميع سكّان تجمع وادي السيق البدوي، والذي أُخلي تماماً بفعل هجمات هؤلاء منذ صباح الأربعاء حتى ظهيرة أمس الخميس، حيث اضطرت جميع العائلات المنتشرة في مناطق نائية بمحاذاة طريق المعرجات قرب أريحا، للنزوح قسرياً بسبب هجمات المستوطنين، الذين منعوا الأهالي من أخذ مقتنياتهم، بإطلاق النار عليهم.
هكذا، يبدو واضحاً أن عصابات المستوطنين بدأت العمل على تصعيد إرهابها المباشر ضدّ المواطنين، منذ انطلاق معركة «طوفان الأقصى»، مستفيدةً من توجّه دولة الاحتلال نحو تعزيز تسليح هذه الميليشيات وتسليمها أكثر من 20 ألف قطعة سلاح جديدة، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات أخرى على مستوى صلاحيات إطلاق النار التي منحتها لكلّ من يحمل السلاح من الجيش أو المستوطنين على السواء. وفي مقابل ذلك، تشهد الضفة، على مدار الساعة، طوفاناً من مسيرات الإسناد والدعم لقطاع غزة والمقاومة، وعمليات إطلاق النار والمواجهات والاشتباكات سواء على الحواجز العسكرية أو خلال التصدي لاقتحامات قوات الاحتلال للمدن والمخيمات، ما رفع عدد الشهداء إلى أكثر من 31 شهيداً منذ بدء «الطوفان». وشهدت مدينة جنين، فجر أمس، اقتحاماً واسعاً من قِبل جيش الاحتلال، اندلعت على إثره مواجهات مسلّحة عنيفة مع المقاومين، أكّدت «كتيبة جنين» إثرَها استهداف جيش العدو بعشرات العبوات الناسفة، بينما شهدت العشرات من القرى والبلدات الأخرى اشتباكات شرسة بين مقاومين وقوات الاحتلال.
تريد واشنطن من «أبو مازن» إصدار طلب إلى مصر بضرورة فتح الحدود مع غزة، في ترجمة لمخطط «الترانسفير» الإسرائيلي


كذلك، شنّ جيش العدو، فجر وصباح أمس، حملة اعتقالات واسعة في الضفة الغربية طاولت 55 مواطناً، بينهم كوادر من حركة «حماس»، وجزءٌ منهم أسرى سابقون ممّن أمضوا سنوات في سجون الاحتلال. وبحسب «نادي الأسير»، فقد اعتقل العدو، منذ بدء المعركة، أكثر من 200 مواطن من الضفّة بحجة المشاركة في أعمال مقاومة مسلّحة ضدّ قوات الاحتلال والمستوطنين. وتحت غطاء القذائف والصواريخ التي تنهمر على قطاع غزة، يبدو أن اليمين الفاشي الحاكم في دولة الاحتلال يريد حسم الكثير من الملفات، بما في ذلك ملفّ الأسرى الذين يواجهون مصيراً مجهولاً، في ظلّ إقدام إدارة سجن النقب على قطع المياه والكهرباء عن كلّ أقسام السجن منذ الساعة الثانية من بعد ظهر أمس وحتى هذه اللحظة، في ما يُعدّ خطوة انتقام مقلقة، بالتزامن مع تنفيذ عمليات قمع واقتحام للسجون من قبل قوات الاحتلال المدجّجة بالسلاح، لعزل الأسرى وتدمير معنوياتهم. وفي السياق، وجّه هؤلاء رسالة قالوا فيها: «نحن نتعرّض للتهديد بالقتل، حيث قاموا بقطع التيار الكهربائي عن جميع السجون وجميع الأقسام من دون استثناء، وقطعوا المياه، وأغلقوا الكنتينا، وأعدموا كلّ مقوّمات الحياة، نحن في موجة إعدام. يريدون قتلنا وتشتيت قوتنا. يريدون إعدام كلّ ما فينا، لا تنسونا، لا تنسونا». ويأتي هذا بينما تستعدّ الضفة والقدس لتنظيم مسيرات مليونية غاضبة، اليوم، نصرةً للمقاومة في غزة، وسط دعوات إلى أكبر حشد لقطع الطرق الالتفافية أمام جنود العدو والمستوطنين، واستهدافهم بعمليات نوعية.
وفي ضوء التصعيد الميداني في الضفة، بدأ الحراك السياسي الأميركي الهادف إلى ترجمة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى أهداف، إذ وصل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى تل أبيب لتأكيد دعم بلاده ووقوفها إلى جانب إسرائيل، وذلك قبيل سفره إلى المملكة الأردنية للقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس. ويبدو أن بلينكن سيضع على الطاولة جملة مطالب أمام «أبو مازن»، وسيضغط عليه لتطبيقها، أولها إصدار إدانة لعملية المقاومة في «الغلاف»، وهو الطلب الذي قال عباس إنه رفضه سابقاً، وأبرزها تقديم ضمانات بسيطرة السلطة على الأوضاع في الضفة، وضمان الهدوء والاستقرار فيها.
لكنّ الأمر الأكثر خطورة الذي يبدو أن واشنطن تريده من «أبو مازن»، هو إصداره طلباً إلى مصر بضرورة فتح الحدود مع قطاع غزة، تحت ما يُسمى «ممرات آمنة»، تحدّث عنها الناطق باسم مجلس «الأمن القومي» الأميركي، جون كيربي، أول من أمس، في ترجمة لمخطط «الترانسفير» الإسرائيلي الذي أقرّ به، ضمناً، العديد من جنرالات جيش الاحتلال، طالبين من المواطنين في القطاع الانتقال إلى شبه جزيرة سيناء. والجدير ذكره، هنا، أن هذا المخطّط الذي يَجري من أجل تطبيقه تكثيف الهجمات الجوية على غزة، لتصل إلى حدّ التدمير الكلي للأحياء والمدن، والتمهيد لاجتياح برّي واسع يراد منه اجتثاث المقاومة، لن يقف، في حال نجاحه، عند هذا الحدّ، بل قد يمتدّ إلى استغلال الفرصة لإحياء «صفقة القرن»، والتي تنصّ على إقامة دولة للفلسطينيين في سيناء أو على الأقلّ الإبقاء على اللاجئين الفلسطينيين فيها كأمر واقع وعدم إعادتهم إلى غزة لاحقاً، وهو ما ينسجم مع رؤية «الشرق الأوسط الجديد» الذي تفاخر بنيامين نتنياهو، في خطابه أمام الأمم المتحدة، بأن الطريق إليه بات مُمهَّداً على ضوء اتفاقيات التطبيع التي جرى إبرامها.