من المرجّح أن يباشر جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ خطّته البرّية في قطاع غزة، خلال اليومَين المقبلَين، ما لم تتغيّر المعطيات الميدانية لديه. ويُتوقّع، بدايةً، أن يكون توغّله محدود النطاق والأهداف، على أن يتمّ اتّخاذ قرار الانتقال إلى المرحلة الثانية، في ضوء تقييم نتائج المرحلة الأولى والعوائق التي واجهتها، علماً أن المرحلة الثانية عادةً ما تكون أكثر شمولية وأوسع من حيث الحيّز الجغرافي وأقرب إلى خطوط التّماس مع المدافعين. على أنها لن تكون، على أيّ حال، النهائية، ولكن مُقدّمة لازمة لِما سيعقبها، أي إن الفعل العسكري الذي يليها، سيتحدّد وفقاً لنتيجتها، وبناءً عليها. وبمعنى آخر، لا يوجد خيار برّي شامل محدّد مسبقاً، بل مجموعة من الخيارات المتتالية. أمّا العوائق التي ستواجه الخيار البري، والتي قد تفرمله أو تحدّ من حيّزه الجغرافي ومداه، فهي ردّ فعل الطرف الآخر، سواء في القطاع أو في خارجه.ومع ذلك، تدرك تل أبيب جيّداً، وكذلك حلفاؤها، أن إنهاء الحرب التي أعلنتها على غزة، من دون إسقاط حُكم «حماس»، وكذلك سحق الحركة نفسها، هما خسارة مُركّبة على أكثر من مستوى وفي أكثر من اتّجاه، على رغم الكلفة البشرية القاسية التي تُكبّدها للفلسطينيين منذ بدء عدوانها، عبر المجازر والتدمير والتهجير. ولكن، بِلا سحق «حماس»، تكون تل أبيب قد استعادت قدْراً من ردعها، سيبقى منقوصاً؛ والرّدع المنقوص، في الحالة الإسرائيلية الراهنة، مثله مثل انعدام الرّدع من أساسه. أمّا إنهاء الحرب من دون «السحق» الذي توعّد به قادة العدو، والذي قال عنه رئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، إنه «سيُغيّر الشرق الأوسط»، فسيؤدّي بشكل رئيس إلى تكبير الانتصار الذي حقّقته الحركة في أول يومين من المعركة.
«من الصعب المواءمة وتحقيق التوازن بين الساعة العملياتية والساعة السياسية»


وفي الحدّ الأعلى لأهداف الحرب الإسرائيلية على غزة، والخيارات البرية من ضمنها، تأمين ما يَلزم من إنجازات عسكرية للمؤسّسة السياسية، وذلك لفرض شروطها وإرادتها على الطرف الآخر، بما يُؤمّن مصلحة إسرائيل، في اليوم الذي يلي الحرب، من حيث الترتيبات السياسية أو الأمنية. وفي الحدّ الأدنى، يهدف العدو إلى تدفيع حركة «حماس» والفلسطينيين ثمناً مرتفعاً جداً، حتى لا تُعاد الكرَّة من جديد، سواء في فلسطين أو غيرها من الساحات. إلّا أن الحدّ الأدنى، لا يَخلو من تهديدات، إذ إنه لا يُلبّي مصالح إسرائيل، على كلّ المستويات وفي كل الاتجاهات. وقياساً بالنتيجة المطلوبة إسرائيلياً، لا تزال الحرب في بداياتها. أمّا قياساً بما هو ممكن، فلا يقين ولا إجابات واضحة. ومن هنا، يأتي الحديث المفرط في الإعلام العبري، عبر تسريبات وتوجيهات المؤسّستَين السياسية والأمنية في تل أبيب، عن الخيار البري وقربه، وإرادة «السّحق» التي ستنجزها إسرائيل من خلاله. ولا يكاد يتوقّف الحديث عن العمل البري، ومنه ما حدَّد قُربه بالسّاعات، فيما تحدّث آخرون عن أنه سيتمدّ لأسابيع، مع سماح دولي لإسرائيل بفعل ما تريد بلا ضوابط.
إلى الآن، لم يتبدّد الانتصار الفلسطيني، على رغم المجازر التي ترتكبها إسرائيل في حقّ المدنيين. وإلى الآن، تريد إسرائيل، من الخيار البرّي أن يُحقّق النتيجة المرجوّة بأقلّ قدرٍ ممكن من المواجهات، عبر تجزئة هذا الخيار إلى مراحل، يُحدّد قرار ومدى ونطاق وأهداف كل منها في حينه، أي يوماً بيوم. ومن هنا، فإن الأهداف التي وضعتها إسرائيل لنفسها من الخيارات البرية، قد تكون فرصة للفلسطينيين؛ فعدم «سحق حماس دفعةً واحدة وإلى الأبد»، هو هدف يُهدّد عدم تحقيقه أيّ إنجاز إسرائيلي، لأنه سيكون مقياس الهزيمة والانتصار، لدى عامة الإسرائيليين. ولعلّ صحيفة «هآرتس» لم تخطئ في تقديرها أمس، عن أن نافذة الفرصة المتاحة أمام إسرائيل لإنجاز ما تريده في غزة، ليست مفتوحة، وأنها ستكون آخذة في الانغلاق قريباً. و«كما كان الحال عليه في الماضي، من الصعب المواءمة وتحقيق التوازن بين الساعة العملياتية والساعة السياسية»، في الحرب (على غزة)، كما قالت الصحيفة.