غزة | في اليوم العاشر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، دخلت الأوضاع الإنسانية في مرحلة بالغة التعقيد. ففيما تواصل سلطات الاحتلال قطع الكهرباء والمياه وإغلاق المعابر الحدودية في وجه البضائع والمساعدات، قدّرت «منظمة الصحة العالمية» أنه في خلال 24 ساعة فقط، سيدخل القطاع في كارثة إنسانية خطيرة، فيما خرجت «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) عن صمتها، وأعلنت أن الاحتلال قتل 13 موظفاً من العاملين لديها، ولم يسمح منذ بدء العدوان بدخول حبّة أرز ولا قطعة طعام واحدة، فضلاً عن قصفه مستودعات الأغذية الخاصة بها في شمال غزة.وتتّجه الأنظار صوب المؤسّسات الصحية التي لا تزال تعمل في القطاع، والتي ستتوقّف أجهزتها عن العمل في غضون يوم أو يومين على أبعد تقدير، بعد نفاد احتياطات الوقود التي تشغّل مولدات الكهرباء الخاصة بها. وقد أكد رئيس سلطة الطاقة في غزة أن احتياطات الوقود لا تكفي لتشغيل المستشفيات أكثر من 24 ساعة، ما ينذر، وفق المتحدث باسم وزارة الصحة، أشرف القدرة، بكارثة حقيقية، إذا لم تتمكّن أقسام الاستقبال والجراحة وثلاجات الموتى من استقبال الحالات. أمّا على صعيد السكان، فقد اقتربت أعداد النازحين من منازلهم المدمّرة في مدينة غزة وشمالها، من حدود الـ 400 ألف نسمة. هؤلاء أيضاً، يفترش أكثرهم العراء، في المستشفيات والمتنزّهات والمدارس الحكومية، من دون أدنى مستويات الرعاية، وسط تحذير من تفشّي الأمراض في داخل مراكز الإيواء. ويقول المتحدث باسم وزارة الداخلية في القطاع، إياد البزم، إن «الاحتلال لم يسمح منذ 10 أيام بدخول المياه الصالحة للشرب، كما أن القصف الإسرائيلي ساهم في خروج أكثر مراكز التحلية عن العمل، فضلاً عن عدم توفّر الكهرباء لتشغيل المحطّات الآمنة منها». كذلك، سجّلت «الأونروا» أولى الإصابات بمرض الجدري في مراكز الإيواء في شمال غزة. وبحسب رئيس المكتب الإعلامي الحكومي، سلامة معروف، فإن محافظة شمال قطاع غزة وحدها، والتي يسكنها 1.1 مليون نسمة، نزح منها 70 ألف مواطن قسراً، بعد تدمير الأحياء التي يسكنونها كلياً. وتَوزّع هؤلاء على أكثر من 12 مركز إيواء، فيما لم تسلم المناطق الجنوبية من القطاع، والتي يدّعي الاحتلال أنها آمنة، من القصف المركّز والمجازر التي طاولت النازحين.
وفي آخر حصيلة للعدوان على غزة، استُشهد 254 مواطناً وأُصيب 562 آخرون بجروح، لترتفع الحصيلة الكلّية إلى 2808 شهداء وأكثر من 10850 مصاباً، بينما هدم الاحتلال منذ بداية العدوان 3731 مبنىً سكنياً، تضمّ 10500 وحدة سكنية، بشكل كلّي. كذلك، تضرّرت نحو 10 آلاف وحدة سكنية، من بينها 7100 باتت غير صالحة للسكن، فيما قصف الاحتلال 127 مدرسة، 18 منها دمّرها بشكل كلّي، وقتل نحو 127 موظفاً من الكوادر التعليمية. على أن الكارثة الكبرى، تتلخّص في النقص الحاد في المواد التموينية، ولا سيما بعد قصف الاحتلال مستودعات الغذاء التابعة لـ«الأونروا» في شمال غزة، حيث تشير تقديرات أهلية إلى أن 50% من النازحين يعانون من سوء تغذية. وفي مركز إيواء مدرسة الفاخورة الذي زارته «الأخبار»، بدا واضحاً حجم الكارثة الإنسانية، حيث انعدام كلّي للنظافة، ونقص حادّ في مياه الشرب، فضلاً عن اقتصار نوعية الطعام على المعلّبات والخبز في حال توفره. ويقول النازح محمود أحمد: «إننا منذ أسبوع لم نتلقّ أيّ مساعدة. أسرتي مع أخواتي مكوّنة من 70 شخصاً، ونسكن في حجرتَين صفّيتَين. سبعة أطفال يعانون من الحمى، ونخشى من تفشّي الأمراض الجلدية بسبب انعدام القدرة على الاستحمام، وتردي مستوى النظافة».
أمّا طواقم الدفاع المدني والإسعاف، فتلك أيضاً تعاني من انعدام هامش الأمان، ونقص الإمكانيات والمعدّات اللازمة لانتشال المصابين والشهداء. وقد أعلن الدفاع المدني وجود أكثر من 1000 جثمان لشهداء لا يزالون تحت أنقاض المنازل، ولم تفلح كلّ المحاولات اليدوية في انتشالهم، فيما ينذر بقاؤهم لمدّة أطول بكارثة بيئية كبيرة نتيجة بدء تحلّل جثامينهم. وفي هذا السياق، اضطرّت وزارة الصحة، أمس، إلى حفر أول مقبرة جماعية، دُفن فيها نحو 100 جثمان لشهيد، بعدما فشل الأهالي في دفنهم في المقابر العامة، نتيجة التهديد الأمني وانعدام السبل لذلك.