«إن يد القتلة تضطهد كلّ ما هو إسرائيلي، لذلك لا يوجد أحد في إسرائيل سيُعفى من واجب الدفاع عن الأرواح والممتلكات. إخوتكم ذهبوا إلى الحرب وأنتم جلساء؟ (حزب) أغودات يسرائيل سيكون حازماً تجاه كلّ من يتهرّب من أداء الواجب». ما تَقدّم، هو نصّ دعوة حزب «أغودات يسرائيل» الحريدي، إبان النكبة الفلسطينية، أو ما يسمّى في الخطاب الإسرائيلي بـ«حرب التحرير والاستقلال»، شبانه إلى المشاركة في القتال.أمّا نموذج «أغودات يسرائيل 2023» في ظلّ عهد الوزيرَين يتسحاق غولدكنوبيف، ومئير فروش، فـ«حتى بوجود هذيان في الرؤية، لا يمكن مقاطعته مع نموذج إدانة التهرّب في ظلّ حالة الطوارئ والإعلان في ذلك الحين عن التجنيد الإجباري لليهود المتشدّدين الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و25 عاماً، بأمر من الحزب ذاته في عام 1948». والسبب، وفقاً لمحلّل شؤون الدين والدولة، يائير إيتنغر، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، «ليس أن دراسة التوراة لم تُعد القيمة الأعلى في ذلك الحين، بل لأن الدوافع بلغت ذروتها، حيث استنتجت القيادة الحريدية، وعلى رأسها الحاخامات، في حينه، أن الساعة قد حانت».
وبالرغم من أن كتلة «أغودات يسرائيل» اليوم، والممثّلة في حزبَي «ديغيل هتوراة»، بقيادة موشي غافني، و«شاس» بقيادة أريه درعي، تُعدّ مركّباً أساسياً من مُركّبات الحكومة وشريكة حتى العمق في قراراتها، إلّا أنه «لم يرتقِ أحد حتى الآن في القيادة الأرثوذكسية المتطرّفة ليرى حجم الساعة، وليعلن أنها قد حانت بالفعل». لا بل إن الأحزاب «الحريدية» حاولت، أول من أمس، وقف تحويل مليارات الشواكل لأهداف الحرب، بادّعاء أنها وُعدت بتلقّيها كجزء من اتفاقيات التحالف الحاكم، وهو ما عدّه إيتنغر «تحطيم رقمٍ قياسي في العار».
الأحزاب «الحريدية» حاولت وقف تحويل مليارات الشواكل لأهداف الحرب


وفقاً لإيتنغر، فإن الحرب التي تعيشها إسرائيل، اليوم، ستصيغ «رواية جديدة» على المستويَين الداخلي والخارجي. كما أنه «ليس ثمّة سبب للاعتقاد بأنه لن تكون هُناك رواية حريدية جديدة أيضاً». ويتساءل: بعد انتهاء الحرب، هل ستكون النتيجة «وحدة ومصيراً مشتركين، أم مزيداً من الاستقطاب والتصدع؟»، ليجيب: لم «تحِن كتابة هذه الرواية بعد، غير أن ثمّة من يخطّ سطورها في الأيام الأخيرة، وبين هؤلاء الجماعات الأرثوذكسية المتطرفة، التي انضمّت بالفعل إلى موجة العطاء القومي»؛ حيث «تبدو كلّ عائلة إسرائيلية مشاركة فيها بأموالها ووقتها». كما أنه «بالأمس فقط، قدّم 1500 شاب حريدي طلبات للجيش من أجل الخضوع لدورات تدريب عسكري قصيرة، بهدف الاندماج لاحقاً في خدمة الاحتياط. وهناك المئات غير هؤلاء من المنخرطين في تحديد أعداد القتلى والمفقودين ومساعدة عائلاتهم».
لكن كلّ ذلك، على أهميته، «غير كافٍ»، وفقاً لإيتنغر الذي اعتبر أن السمة المشتركة في موجة العطاء والتطوّع في صفوف «الحريديين» «هي أنها من الأسفل إلى الأعلى؛ حيث لم تعُد هناك فجوة بين القيادة الحريدية وقاعدتها فحسب، بل ثمّة فجوات هائلة تتمثّل في الأهداف المختلفة بين القيادة الحريدية وقاعدتها التي أبدت تعاطفاً غير مسبوق مع الجيش الإسرائيلي وجنوده». ويشير إيتنغر إلى أنه، بالأمس، بدأت الدورة الشتوية لـ«الكنيست»، وكانت الأحزاب «الحريدية» تأمل أن يُطرح قانون أساس: دراسة التوراة، والذي بموجبه يُعفى «الحريديون» من الخدمة، لكن بات واضحاً أن القانون لن يُطرح في ظلّ الظروف الحالية، وهو ما أكدته الأحزاب «الحريدية» بنفيها، في مؤتمر صحافي، نيّتها طرحه راهناً. ويقول: «تصوّروا ماذا كان سيحدث لو أن الذين خرجوا بمؤتمر صحافي، بادروا إلى إصدار تعليمات لطلاب المدارس والمعاهد الدينية بشكل جماعي ومنظّم، بضرورة «تأجيل حفلات التخرّج»، والتجنّد لتغطية العجز المتفاقم في ظلّ نقص الموظفين والعمال في المصانع والمستشفيات والأماكن الحيوية الأخرى... فمشاركة كهذه ضرورية لمستقبل العلاقات بين المتديّنين وغير المتديّنين في إسرائيل».