وفي السنوات الماضية، كشفت المقاومة جزءاً من تلك الأنفاق، من خلال السماح لبعض وسائل الإعلام بالتصوير داخلها، أو من خلال صور نشرتها، إضافةً إلى بعض الأنفاق الهجومية التي استخدمتها إبان حرب عام 2014، ونفّذت منها عمليّة تسلّل خلف خطوط العدو. وتعتمد المقاومة على الأنفاق لمواجهة أيّ اجتياح برّي للقطاع، كونها تُعدّ بمثابة متاهة لها مداخل ومخارج يعرفها المقاتلون جيّداً، وستمثّل ممرّاتهم السرّية في مواجهة الآليات الإسرائيلية،.
المؤسّسة الأمنية ماضية في خيار الدخول البرّي
وتختلف الأنفاق في قطاع غزة، عن تلك الهجومية التي شنّت منها المقاومة عدّة عمليات فدائية خلف خطوط العدو، إذ تبدو الأولى أكثر تحصيناً وتجهيزاً من الأخيرة التي تُحفَر لغرض واحد ولا يتمّ تحصينها. لا بل يمكن اعتبار الأنفاق غرفة قيادة المقاومة، إذ إنها مزوّدة بكلّ احتياجات المقاومين، وبما يمكّنهم من خوض معركة قد تمتدّ لأشهر، إلى جانب أنها مجهّزة بالكهرباء ومسارات لسكك حديدية. ولهذا الغرض، بنت إسرائيل، خلال السنوات الماضية، جداراً خرسانيّاً تحت الأرض وفوقها على حدود القطاع، مزوّداً بأجهزة استشعار متطوّرة للكشف عن الأنفاق، بتكلفة بلغت مليارات الشواكل. لكن بعد عمليّة «طوفان الأقصى»، قالت مصادر عبرية إن هناك أنفاقاً استخدمها المقاومون للوصول إلى بعض المناطق، مثل كفر عزة، وهو ما قد يشكّل كارثة تتحمّل مسؤوليتها المؤسّسة الأمنية. أيضاً، تُعدّ الأنفاق الرعب الكامن لجيش الاحتلال في غزة، كونها ستكبّده خسائر غير متوقّعة، قد تصل إلى آلاف القتلى. وإذا وُضع في الاعتبار إعلان المقاومة أنها استعدّت، منذ سنوات، للمعركة البرّية، فبالإمكان تصوُّر أن يكون قد جرى تفخيخ شبكة ما تحت الأرض. ففي حرب كسر العظم، لن تتوانى المقاومة عن تفجير تلك الشبكة كلّها، كما أن فرصة اختطاف الجنود ستكون متاحة بوفرة، في ظروف قتال شرس وبين المدن والمباني المهدّمة، فيما يمكن أن تُستخدم الأنفاق لتنفيذ عمليّات تسلّل لمباغتة قوات الاحتلال من الخلف.
وما يبدو أكيداً، هو أن الأنفاق ستكون إحدى أدوات المعركة الدفاعية التي أعدّتها المقاومة، كما قالت «القسام». وإذا ما أُخذت في الحسبان قدرة عناصر المقاومة على التخفّي بارتداء لباس الجيش الإسرائيلي، فإن ذلك سيسمح للمقاتلين بتكبيد العدو خسائر كبيرة. وفي هذا الإطار، نقلت وكالة «رويترز»، أمس، عن خبراء عسكريين، قولهم إن «أنفاق فيتنام ستبدو لعبة أطفال أمام أنفاق غزة، وبالتالي، فإن (إسرائيل)، لن تنجح في إنهاء حماس بالدبابات وقوّة النيران، خاصّة أن كتائب القسام حشدت قوّاتها لصدّ الهجوم الإسرائيلي، ونصبت ألغاماً مُضادة للدبابات وعبوات ناسفة مفخّخة للإيقاع بالقوات الإسرائيلية، فيما لا يَتوقّع أحد أن تنجح إسرائيل في تدمير شبكة الأنفاق الكامنة تحت قطاع غزة بالكامل، لأنها ستكون بحاجة إلى سنوات للتعامل معها،
ومع ذلك، تبدو المؤسّسة الأمنية ماضية في خيار الدخول البرّي إلى غزة، في الوقت نفسه الذي يَظهر فيه أنها تحضّر لأمر ما يمهّد لدخولها بأريحية، وهو ما بات يثير المخاوف من استخدام جيش الاحتلال قنابل محدّدة أو ارتكاب إبادة جماعية. وفي هذا الجانب، نقلت صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية، عن مصادر في الجيش، قولها، إن الخطط الحربية الإسرائيلية حالياً مختلفة عن الحروب العدوانية التي شنّتها في الماضي، وإن «الحديث يدور عن تغيير جذري للوضع» في القطاع، يشمل «القضاء على القدرات السلطوية والعسكرية والسياسية لحماس». واستدركت الصحيفة بأن هذا لا يعني أن غزة ستفرغ من مقاتلي المقاومة، «لكنّ الضربة ستكون شديدة جداً، بحيث ستدوّي في الشرق الأوسط، وتعيد بعض الردع الذي فُقد في السابع من الشهر الحالي». وبحسب مصادر الجيش، فإنه «ستكون لهذا الأمر أثمان، وستكون هناك مشاكل، لكن هذا يجب أن يحدث، وينبغي إعداد الجمهور لمجهود يستمرّ لفترة طويلة. وسندخل عندما يكون الوضع مريحاً من الناحية العسكرية». ولفتت الصحيفة إلى أن العديد من الضباط الإسرائيليين يطرحون مخاوف حول عمليّات عسكرية خلال اجتياح برّي تتخلّلها «أخطاء متعلّقة بالقانون الدولي»، وجرائم حرب، وأنهم يطالبون بدعم واضح من رئيس أركان الجيش، ووزير الأمن، ورئيس الحكومة، قبل أن تدخل الدبابات إلى القطاع.