تقعُ المسؤوليّة عمّا يحدث في غزة هاشم اليوم على عاتق عدد من الأطراف أكثر، لكن هذه المسؤوليّة تنحدر على كلّ من الأطراف هبوطاً بالتسلسل التالي:أولاً، صاحبُ المسؤولية الأول هو بنيامين نتنياهو. فهو، من دون منازع، مَن حدّدَ وتيرة الأحداث في مشرقنا وفي القضيّة الفلسطينيّة (في تنسيق أدوار الأطراف المعنيّة، اليهودية والأميركيّة والعربيّة، خلالها) طوال العقديْن الأخيريْن من الزمن.
ومقارنةً بمن سلفه من أقطاب الصهيونيّة، إن نتنياهو لَهوَ من أخطرهم طرّاً وأشرسهم وألأمهم وأكثرهم عنصريّةً وأعظمهم دهاءً.
فقد تمكّن بمفرده تقريباً من سبك مواقف المؤسّسة اليهوديّة الأميركيّة المتنفّذة تجاه القضيّة الفلسطينيّة ومن توجيه صنع القرار الأميركي صوبها، بخاصة في السنين العدّة الأخيرة في صراعه المتهالك مع القضاء الإسرائيلي للبقاء خارج سجونه.
ثانياً، يلي نتنياهو في المسؤوليّة كل من:
أ - المؤسسة اليهوديّة الأميركيّة المتنفّذة من حيث تواطئِها الثابت مع نتنياهو، في الحكم وخارجه، واضعةً ولاءها القبلي فوق أي اعتبار آخر.
ب - النخبة السياسية الأميركيّة الحاكمة، أي الرؤساء والمرشحون الرئاسيّون وأعضاء الكونغرس والطامحون بالمنصب، فقد عَهّرَ هؤلاء أنفسهم جميعاً منذ قيام الكيان الإسرائيلي سنة 1948 باتساقٍ ملفت وباستثناءات قليلة، من أجل نيل الأصوات اليهوديّة الانتخابيّة الحاسمة وجني التبرّعات من كبار الأثرياء اليهود، من أمثال أدلسون وصبّان للوصول إلى السلطة.
ثالثاً، مسؤوليّة أولياء الأمر في بعض الحواضر العربيّة، وعلى رأسهم «المحمّدان» (وأحدهما أخطرهما)، بتواطئهم مع صهر دونالد ترامب، الغلام جاريد كوشنير، صنيع بنيامين نتنياهو وأداته في مسار التطبيع «الإبراهيمي» (الزائف) السيادي الإقليمي. وهذا أعطى زخماً هائلاً لغلاة اليمين الديني اليهودي، الحاكم لأوّل مرة في تاريخ القضيّة، وأجّجَ فيهم الثقة العمياء في تحقيق طموحاتهم الألفيّة التلموديّة في أولى القبلتيْن وثالث الحرميْن، مع تهميشهم حقوق الشعب الفلسطيني وتتفيهها في آن.
رابعاً، ويلي «المحمديْن» في المسؤوليّة، دور الحكمُ المصري الذي يتآمر مع إسرائيل على مدى عقود في إحكام حصار مجرم خانق، لا إنساني، ولا يرحم، ضد أهلنا في غزةَ هاشم (براً وبحراً وجواً)، مع تغاضي سائر الحكام العرب والمسلمين بشكل مخزٍ ذليل، تزلّفاً وانصياعاً وتهيّباً من أميركا ومرضاةً لقاهرة (المعزّ؟)، مع استثناءات قليلة مثل قطر والكويت وتركيا.
خامساً، مسؤوليّة السلطة الفلسطينيّة التي مُسِخت بقدرة القادر، فتحولت من حركة تحرير، لتصبح عملياً، جهازاً تابعاً للمحتل وذراعاً أمنية مرتزقة له ضالعاً في ترسيخ أقدامه في الضفة الغربيّة وتهويد ما بقي منها. والأنكى من هذا وذاك أنّ أُولي الأمر في هذه السلطة، وبدافع العداء الشخصي والتنظيمي، تحاشوا منذ سنين إثارة ما يُخطّط لمقدساتنا المقدسيّة، متجاهلين بذلك أعظم رصيد إستراتيجي لنا، الكامن في التنبيه إلى هول هذه المخطّطات، وذلك من المنطلق الأبله لهم بأن مثل هذا التنبيه إنما يصبُّ في مصلحة حماس الحزبيّة.

* مؤرّخ فلسطيني وله كتب مرجعية
في تاريخ القضيّة. مؤسّس مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة