القاهرة | لا يبدو أن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية إليه لإنقاذ المدنيين فيه، يمثّلان أولوية لدى ما يُسمى «المجتمع الدولي». هذا ما أظهرته «قمة مصر الدولية للسلام» الخاصة بفلسطين، والتي فشلت في الاتفاق على بيان ختامي، وانتهت بمغادرة الوفود من دون حتى عقد مؤتمر صحافي، بعد أن طغى عليها الخلاف العربي - الأوروبي، وميل الطرف الأخير إلى تزكية العقاب الجماعي ضد سكان غزة. ولم تستكمل القمة التي استمرت ليوم واحد فقط، جلساتها العلنية، فكان إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن استراحة قصيرة بمثابة إنباء بنهاية المؤتمر، الذي تلاه إصدار بيان من الرئاسة المصرية تحدّث عن عمق الخلافات في وجهات النظر.القمة غاب عنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي كانت أُعلنت مشاركته بالفعل قبل أن تُعدّل لتصبح على مستوى وزير الخارجية، بينما خفّضت الولايات المتحدة مستوى تمثيلها أيضاً. إلا أن مشاركة قادة فاعلين في الملفّ على غرار أمير قطر تميم بن حمد، والملك الأردني عبدالله الثاني، والرئيس الإماراتي محمد بن زايد - الذي كان الأقل تفاعلاً في المناقشات التي جرت على هامش القمة -، لم تكُن كافية لإحداث أي اختراق جوهري في مسألة الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وذلك في ظل مواقف غربية متشدّدة، ولا سيّما تلك الصادرة عن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والتي خلت من الحديث عن أي هدنة إنسانية، على الرغم من مناشدة الجانب المصري إرساءها.
وفي السياق، أوضحت مصادر مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «قمة القاهرة» فشلت في الخروج بموقف جامع بسبب «تباين وجهات النظر ودعم الدول الأوروبية الكامل لما تراه "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"»، وفعل أيّ شي «للقضاء على حركة حماس»، ولو عبر السماح بتهجير الفلسطينيين إلى جوار معبر «رفح» الحدودي، وهو الأمر الذي يثير حالة من الغضب فى عدد من الدول العربية. وأضافت المصادر أن جزءاً من القلق المصري مرتبطٌ بتخلّي العالم تدريجياً عن تقديم الدعم للفلسطينيين في غزة، بينما تمارس القاهرة أقصى الضغوط الممكنة على الأمم المتحدة، ممثّلة في أمينها العام الذي ناقش مع السيسي الأوضاع بشكل تفصيلي، واستمع إلى مطالبته بالضغط على كيان الاحتلال للسماح بدخول المساعدات وعدم استهدافها.
وفي خلال القمة، كرّرت مصر تحذيرها من تداعيات الكارثة الإنسانية في غزة، في ظلّ محدودية شاحنات الإغاثة التي عبرت على مدار اليومين الماضيين، بالإضافة إلى طول إجراءات التفتيش والدخول إلى الأراضي الفلسطينية، إلى جانب عدم القدرة على الوصول إلى مناطق غزة كافة. وفي حين ترى الدول الغربية في تأخير المساعدات «أداة ضغط على حركة حماس، كونه يتيح تأليب أهالي غزة عليها، بما يساعد كيان الاحتلال في المواجهة»، تعتقد مصر أن هذه السياسة لن تضرّ سوى المدنيين الذين باتوا يعيشون ظروفاً إنسانية غاية في السوء، وتزداد المخاطر على حياتهم يوماً بعد الآخر.
لا تبدو هذه القمة نهاية المطاف بالنسبة إلى مصر في ما يتعلق بالمسار الدبلوماسي الذي تُعوّل عليه


وتأتي هذه التطورات في وقت يتصاعد فيه التوتر بين مصر ودولة الاحتلال بصورة غير مسبوقة، وسط انقطاع شبه كامل لقنوات التواصل على المستويات العليا. وفي هذا الإطار، سُجّل دخول إيطاليا على الخطّ بين الطرفَين، من خلال رسالة نقلتها رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، إلى نظيرها الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال زيارتها للكيان. كما ينتظر الرئيس المصري زيارة نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للقاهرة ضمن جولته في المنطقة، من أجل إجراءات مباحثات تفصيلية حول العدوان على غزة. وعلى رغم الصعوبات الدبلوماسية التي تواجهها مصر، إلا أنها لا تبدو يائسة من تحرّكاتها، إذ يستعدّ وزير خارجيتها، سامح شكري، للتوجّه إلى مجلس الأمن من أجل ممارسة المزيد من الضغوط، خصوصاً في اتجاه السماح بإدخال شاحنات الوقود إلى القطاع، مقابل العمل على تسهيل إخراج الأميركيين من غزة، سواء كانوا محتجَزين أو موظفين ومواطنين.