أحدثت المقابلة التي أجراها المذيع الإسرائيلي أرييه جولان مع مستوطنة من «كيبوتس بئيري» (مستعمرة زراعية في غلاف غزّة) كانت محتجزة لدى «حماس» ضمن برنامج «هابوكر هزيه» على إذاعة «كان» الرسمية الإسرائيلية، زلزالاً في أوساط الرأي العام الإسرائيلي. إذ كشفت ياسمين بورات أنّ المقاتلين الفلسطينيين عاملوها هي و«المدنيين الإسرائيليين الآخرين بطريقة إنسانية»، وأنّهم «كانوا يعتزمون اختطافنا إلى غزّة... لا لقتلنا». وأضافت أنّ «قوات الأمن الإسرائيلية قتلت بلا شك عدداً كبيراً من الإسرائيليين» في أعقاب هجوم «حماس» في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الحالي.نُشرت المقابلة للمرّة الأولى في 15 تشرين الأوّل، من دون أن تكون حينها متاحة على موقع الإذاعة الإلكتروني أو النسخة الإلكترونية من «هابوكر هزيه» لذلك اليوم. لكن لاحقاً، حُمّل اللقاء كاملاً فيما ترجمه موقع «الانتفاضة الإلكترونية»، قبل أن تحدث عملية مسح ممنهجة للفيديو من منصات التواصل الاجتماعي كافة. هكذا، اختفت من برنامج «هابوكر هزيه»، وأزيلت تماماً من موقع «كان» الإلكتروني.
تتحدّى شهادة ياسمين بورات الرواية الإسرائيلية الرسمية حول ما حصل في السابع من تشرين الأوّل، داعيةً لإجراء تحقيق شامل ونزيه في ما حدث. ردّاً على سؤال جولان عمّا إذا كان أحد من «حماس» قد أساء معاملتها، قالت ياسمين: «لقد عاملونا بطريقة إنسانية للغاية... أعني بذلك أنّهم يحرسوننا. يعطوننا شيئاً للشرب بين حين وآخر. وعندما يرون أنّنا متوترون، يهدّئوننا. كان الأمر مخيفاً للغاية، لكن لم يعاملنا أحدٌ بعنف. ولحسن الحظ لم يحدث لي شيء مثل ما سمعته في وسائل الإعلام».
بعدها، تطرّقت بورات إلى خروجها من المنزل كرهينة مع أحد عناصر «حماس» لتتفاجأ برؤية خمسة أو ستة رهائن على الأرض في الخارج «مقتولين مثل الأغنام، بسبب إطلاق النار المتبادل» بين مقاتلي «حماس» وجيش الاحتلال. هنا، يسألها أرييه جولان: «الإرهابيون أطلقوا النار عليهم؟»، فتُجيب: «لا، لقد قتلوا في تبادل إطلاق النار». ثم يتابع المحاور: «أطلقت قواتنا النار عليهم؟». فتردّ الضيفة: «من دون شك... لقد قضوا (جيش الاحتلال) على الجميع، بما في ذلك الرهائن».
وفي 20 من الشهر الحالي، نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في نسختها العبرية مقابلة مع رجل يدعى توفال كان يعيش في «كيبوتس بئيري». ونقلت عنه قوله إنّه «ليلة الإثنين، اتخذ القادة الميدانيون في الجيش الإسرائيلي قرارات صعبة، بما في ذلك قصف المنازل بجميع سكانها من أجل القضاء على الإرهابيين مع الرهائن... بعدها أكمل الجيش الاستيلاء على كيبوتس. كان الثمن باهظاً: قُتل ما لا يقل عن 112 شخصاً من البريئين».
اختفت الحلقة من موقع «كان» الإلكتروني


لكن لماذا تقتل إسرائيل مستوطنيها؟ البحث عن الجواب يقودنا إلى توجيه «هانيبال» الذي يوسّع حدود كيفية «حماية» إسرائيل لجنودها. يعود البروتوكول إلى حقبة الثمانينيات، حين كانت إسرائيل في حاجة إلى إستراتيجية لردع اختطاف جنودها، فشرعت في صياغة بروتوكول مصمّم لمنع أسر الجنود الإسرائيليين من قبل قوات «العدو» بأيّ ثمن، ولو كان ذلك يعني تعريض حياة الأسرى للخطر. بكلمات أخرى: إسرائيل لا تتفاوض، ولن تسمح لجنودها بأن يصبحوا ورقة مساومة.
التوجيه ليس نظرياً، بل طُبّق في مناسبات عدّة. المثال الأكثر شهرة وإثارة للجدل كان خلال الغزو الإسرائيلي لغزة عام 2014. عندما اعتُقد أنّ الملازم هدار غولدين وقع أسيراً لدى «حماس»، فعّلت قوّات الاحتلال البروتوكول، وكان الردّ عبارةً عن قصف مدفعي مكثّف وغارات جوية في محاولة لمنع الاختطاف. أجاز التوجيه بشكلٍ أساسي قتل الجنود الإسرائيليين على يد رفاقهم لمنع أسرهم، لكن برأي القيادة هو أمر أساسي ورسالة إلى الخصوم، مفادها أن أسر جندي إسرائيلي لن يحقق أيّ ميزة استراتيجية، بل سيُطلق العنان لعاصفة من الانتقام. وفي عام 2016، خضع «الجيش» الإسرائيلي لعملية إعادة تقييم شاملة للبروتوكول. سعت النسخة المعدّلة إلى تحقيق توازن «أكثر إنسانية» بين ضرورات الأمن القومي و«الحياة البشرية». لكن مع بروز شهادة ياسمين بورات وتوفال، من الواضح أنّ جيش الاحتلال عاد إلى استراتيجيته السابقة التي لا تأبه لقتل الجنود والمستوطنين في سبيل حماية «فكرة إسرائيل» وبقائها في منطقة تنبذها.