عام 2017، أي بعد ثلاثة أعوام من وفاة شارون، نشر ميشكا بن ديفيد رواية «القرش». وتروي في إطار التشويق والتوقعات مع شيء من الواقع قصة غواصة نووية إسرائيلية (القرش) في البحر المتوسط بقيادة الجنرال يارون غال، المضطر لأخذ قرار إستراتيجي لحماية إسرائيل بعد اضطرابات وتظاهرات وحرب على عدد من الجبهات وانقطاع الاتصال مع القيادة العسكرية. تتعمق الرواية بنبؤات مستندة إلى حقائق، ومع أنها خضعت للرقابة الإسرائيلية، إلّا أنها فعلاً تمسّ الأمن القومي الإسرائيلي من ناحية الاستشراف المستقبلي وإسناده لوقائع تحدث في الوقت الحالي. تبدأ الرواية في الأول من أيار/ مايو 2022، باقتحام وحدة النخبة الفلسطينية «الكومندوز المدجج» المستوطنات في محيط غزة، عبر الأنفاق. ويصلون عبر نفق طويل إلى النقب ويحررون مستوطنة «كفار عزا». تستند خطة المحررين الفلسطينيين إلى خلايا (كل خلية من ثلاثة أفراد) ويتمكنون من السيطرة على الجغرافيا الفلسطينية في الجنوب. وفي الوقت نفسه، يعبر الحدود من غزة آلاف المتظاهرين عبر حاجز بيت حانون ويحررون مدينة عسقلان، ويقتلعون الحواجز حتى أن الجنود الإسرائيليين لا يستطيعون إيقاف الموجات البشرية. يصور من يحمل الدكتوراه في الأدب العبري وعمل في «الموساد» لأعوام، وحمل قارورة الترياق لخالد مشعل عام 1997، في أحد مشاهد الرواية أن جندياً إسرائيلياً يفرغ مخازن بندقيته وجعبته بالمتظاهرين حتى يصلون إليه ويقتلوه دعساً بالأقدام مع زملائه. وفي مشهد آخر، تتكثف صرخات النجدة إلى «الشاباك»، وجهاز الأمن نفسه لا يسيطر على الجماهير الفلسطينية المتدفقة من غزة والضفة إضافة إلى تظاهرات كبرى في الناصرة وحيفا. ويصبح اصطياد المتظاهرين لعناصر «الشاباك» سهلاً وسط إرباك في القيادة الإسرائيلية.
هذا كله يحدث وسط تقدّم كبير لقوات النخبة في حزب الله من الجبهة الشمالية، مع إمطار الخريطة الفلسطينية بالصواريخ من ثلاث جبهات (لبنان، سوريا، وغزة). إنه سيناريو مرعب حدث جزء منه في 7 أكتوبر الماضي، ووسط إقليم لا يعرف مصيره تبدو التوقعات التالية مخيفة أكثر للإسرائيليين، ولا سيما أن بن ديفيد، يشير إلى انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وعدم تدخلها بتاتاً في هذه الحرب المفترضة، في مقابل دخول روسيا بحرب شاملة ضد إسرائيل بعد قصف الطائرات الإسرائيلية مراكز روسية في سوريا.
معروف أن الخوف ينتج عن فعل حدث، أمّا القلق، فيحدث نتيجة فعل مرتقب. وأمام خوف شارون وقلقه يتحدّث من دون مواربة، عن أصل الصراع وكيف يمكن أن ينتهي. هو يعرف الإجابات عن أسئلته لأن الشك راوده، ولكنه اعتبر كما أسلافه ومن خلفوه أن القوة والمزيد منها ينزع هذه الشكوك ويثبت أكبر عملية احتيال وسرقة حدثت في التاريخ سمّوها «دولة إسرائيل». وتكمن خطورة رواية بن ديفيد، في أنها تحمل في طياتها رسائل داخلية ومحاولة الإجابة عن سؤال يزعج شارون في قبره وكذلك قادة الاحتلال ومفكريه: هل ستبقى إسرائيل؟ الإجابة واضحة جداً: لن تبقى. وهذا ما أثبته السابع من أكتوبر.
* صحافي فلسطيني