كان لحدث العبور الكبير صباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول أثر مُهم في تعزيز دور الإعلام الرقمي في المناطق الفلسطينية، وبروز دوره ومكانته على حساب الإعلام التقليدي، من خلال أسماء عشرات الناشطين والمؤثرين الذين غطوا البعد الإنساني للحرب عبر منصات التواصل الاجتماعي.

طوال أيام الحرب على غزة، اجتاح المحتوى الرقمي المنصات المختلفة، وصار بإمكان أي مؤثّر أن يبثّ محتوى يعزّز الرواية الفلسطينية ويظهر جرائم الاحتلال التي يتعامى العالم عن سماعها أو مشاهدتها، لتتحوّل معها وسائل الإعلام التقليدية إلى ناقل للمحتوى لا الحدث، لوفرة المحتوى وكثرة انتشاره وسرعة تغطيته لأحداث مهمة قبل أن تصلها كاميرا الإعلام.
ولهذا الإعلام الجديد دور مهم في حرمان إعلام الاحتلال، والإعلام الأوروبي/ الغربي المُنحاز، من فرصة التلاعب وتزييف الحقائق والانتقاء في ما يتم بثّه إلى الجمهور.

جيل الإعلام الجديد
في هبّة أيار/ مايو 2021، كان الأخوان الشابان محمد ومنى نبيل الكرد، ناشطيْن على منصات التواصل الاجتماعي، يتابعان رفض الأهالي التهجير، ويوثّقان قمع شرطة الاحتلال لهم. وكان لنشاطهما وقوة المحتوى الذي يتم بثّه أثر مهم في خلق حالة تضامن فلسطيني وعربي وعالمي لصالح حي الشيخ جراح. ولقوة حضورهما وتأثيرهما، تمّ تصنيفهما من ضمن قائمة الـ100 شخصية الأكثر تأثيراً في العالم من قبل صحيفة «التايمز» الأميركية.
وفي المواجهة الحالية، «طوفان الأقصى»، ظهرت وجوه مهمة عبر «السوشال ميديا» لتقدّم رواية فلسطين من أرض المعركة، وتستحوذ على متابعة الجماهير العربية والعالمية، صانعة فرقاً كبيراً في التغطية والتضامن والتفاعل، من خلال مخاطبة العالم باللغات التي يفهمها وتركيزها على الإنكليزية في نشر المحتوى البصري، من أصحابها:
- معتز عزايزة (26 عاماً): مصوّر صحافي يعمل بشكل حُر، يتابعه أكثر من 8 ملايين على «إنستغرام». يوثّق عزايزة مشاهد الدمار بجرأة وبلا تردّد وأحياناً يقدّم صوراً حسّاسة كصور ضحايا القصف الصهيوني للأطفال والمدنيين. وهو أيضاً يمتاز بلغته الإنكليزية المتمكّنة، التي تساعده على مخاطبة غير العرب. يمكن وصفه بالمؤثّر الشجاع، ذلك أنه تحامل على مُصابه وقدّم محتوى خاصاً وجريئاً أثناء تحرّكه مع زملائه في المناطق التي تعرّضت للغارات الصهيونية يوم 12 أكتوبر، حيث فوجئ بوجود أفراد عائلته من بين الضحايا، فوصف مشاهدته لهم وطبيعة الإصابات القاسية التي قُتلوا بها، كما بقي طوال الوقت حريصاً على عدم الانقطاع عن متابعيه وتغطية معاناة الأهالي في غزة.
- بلستيا العقاد (22 عاماً): شابّة غزاوية ظهرت كصحافية وبدأ حضورها يأخذ حيزاً مهماً كمؤثّرة تسرد رواية غزة وحكايتها مع الإبادة الجماعية، وقد تجاوز عدد متابعيها على «إنستغرام» أكثر من مليون شخص. وقد يكون لقوة لغتها الإنكليزية وطبيعة حضورها المتّزن مع ملامحها ذات الحضور المقبول غربيّاً أثر في متابعة روايتها عن يومياتها في الحرب. من خلال متابعة صفحتها ورصد التفاعل مع فيديوهاتها، يلفت الانتباه الصدى الذي تحدثه في الشارع العربي والغربي، لأنها تصف يومياتها، واضعة المتابع في الصورة وكأنه هو من يعايش هذا كله، ما يجعل محتواها أكثر قرباً من حديث الصحافة الذي ينتقي الكلمات.
- أحمد حجازي (26 عاماً): الملقّب بـ«الحاجز»، يتابعه أكثر من مليون ونصف مليون شخص، يتميّز بنقله قصص الأمل والتحدي في مواجهة جرائم الإبادة الجماعية المروّعة. وما يميّز أحمد بثّه هو مقابلاته مع الناجين من الأطفال والشيوخ، ناقلاً إلى العالم وجه غزة المُراد قتله، مُظهراً الغزاوي المُتشبّث بالبقاء والمتقبّل للثمن الكبير من التضحيات في سبيل الحرية.
- بيسان عودة (23 عاماً): صانعة محتوى ومؤثّرة، يتابعها أكثر من نصف مليون متابع على منصة «إنستغرام»، تقدّم برنامج «الحكواتية» على فضائية «رؤيا» الأردنية، وتسرد فيه حكايات غزاوية. ظهرت بيسان في فيديو على «إنستغرام» تحدّثت فيه باللغة الإنكليزية متأثّرة باستهداف الاحتلال لمكانها/حلمها، الذي حمل اسم «الرُّواة» وهي مساحة لتعليم نساء غزة مهارات سرد حكاياتهن، حيث وجدت مكانها المفضّل مدمّراً بفعل قصف طائرات الاحتلال. وقد لاقى الفيديو تضامناً كبيراً وتفاعلاً مهماً. الأمر الذي دفعها لمواصلة بث المحتوى البصري عمّا تتعرّض له غزة.

في قلب التحدّي
لا يُقدّم المؤثّر الغزاوي محتوى شجاعاً وجريئاً، مُخاطراً بحياته وهارباً من القصف المتواصل ومتناسياً جرحه وألمه الشخصي فحسب، وإنما يخوض حرباً أخرى من أجل هذا المحتوى بوجه قيود منصات التواصل على المحتوى الفلسطيني، وخصوصاً في هذه الحرب، إذ فتحت شركة «ميتا» جبهة مسعورة على المحتوى الفلسطيني فقيّدت عشرات الحسابات وحذفت مئات المنشورات والتغريدات بحجة مخالفتها للمعايير المُتّبعة.