عندما يبدأ الغزو البري الإسرائيلي لغزة، ستكون مهمّة جيش الدفاع الإسرائيلي، تدمير «حماس»، كقوّة عسكرية قادرة على شنّ هجمات، على غرار ما حدث في 7 أكتوبر، وإخراجها من الحكم في غزة. تبدو هذه الأهداف، ولا سيما الثاني، طموحة، وإنْ كانت تبدو منطقية، في «عالم الحرب» الذي تجد إسرائيل نفسها فيه حالياً، حيث هي معرّضة لتهديد لا يُحتمل، ولا يمكن الخلاص منه إلّا من خلال اللجوء إلى القوّة. ويبدو أن العديد من المراقبين الغربيين، والدول التي تقدّم المشورة للإسرائيليين بالامتناع عن شنّ غزو بري واسع النطاق - بمن في ذلك، إدارة بايدن - قد فشلوا في فهم هذا المنطق، لأنه على الرغم من الأعمال العسكرية الكثيرة التي نفّذتها الدول الغربية (وخاصّة الولايات المتحدة) في العقود الأخيرة، فقد كانت تلك الدول تعيش في «عالم سلام»، حيث هي قادرة على إدارة التهديدات الكبيرة، والتخفيف من حدّتها، من خلال انتهاج مزيج من القوّة والدبلوماسية.منذ الحرب العالمية الثانية، كانت لغالبية العمليات العسكرية الغربية أهداف محدودة. وفي السنوات الـ30 الماضية، كانت هذه الأهداف سياسية في المقام الأول. وأَطلق بعض المسؤولين الميدانيين، على عدد منها، على سبيل السخرية: «مساعٍ دبلوماسية مع نيران المدفعية»، والتي تشمل إرسال إشارات سياسية، من خلال أعمال عسكرية منظّمة بعناية، على غرار قصف القوات الجوية الأميركية، أخيراً، مخزونات الذخائر التابعة للميليشيات المدعومة من إيران في سوريا. ونتيجة لذلك، فإن الولايات المتحدة ومعظم حلفائها أصبحوا غير معتادين على تقييم تكاليف وفوائد الأعمال العسكرية في «عالم الحرب».
في 7 تشرين الأول، كشفت «حماس» عن مجموعة متطوّرة من القدرات، إذ أثبتت أنّها قادرة، في الوقت نفسه، على تشتيت انتباه الجيش الإسرائيلي بالصواريخ، وضرْب دفاعات إسرائيل الإلكترونية العالية التقنية على الحدود، وإدخال قوات برية لهزيمة قوات الحدود الإسرائيلية، واكتساح المناطق المدنية، وشلّ القيادة والسيطرة الإسرائيليتَين. وعليه، ومع التقديرات المستجدّة لِما يمكن أن تفعله «حماس»، أصبحت إسرائيل تخشى صراعاً متعدّد الجبهات، يشبه الصراعات التي عانت منها في عامَي 1948 و1973: ومن الأمثلة على ذلك، أن تتعرّض إسرائيل لهجوم آخر من «حماس» في الجنوب، جنباً إلى جنب مع هجمات منسّقة في الشمال ينفذها «حزب الله»، بالإضافة إلى التعرّض لـ«تفجيرات إرهابية» في الضفة الغربية.
يمكن أن يؤدي مثل هذا السيناريو إلى صراع طويل ذي تبعات هائلة على سكان إسرائيل واقتصادها. هذه هي المشكلة العسكرية التي تسعى إسرائيل إلى حلّها عسكرياً. سيكون الهجوم البري الذي يهدف إلى هزيمة «حماس»، وربّما القضاء عليها، دموياً، وسيزيد من وضع الرهائن تعقيداً، ويسبّب خسائر في صفوف المدنيين، ويزيد من خطر التصعيد. إلّا أنّ الحاجة إلى تجنّب حرب مدمّرة، على جبهتَين، تفوق كل هذه التكاليف المحتملة.
يجب على إسرائيل والولايات المتحدة التعامل مع المشكلة السياسية المتمثّلة في مَن سيحكم غزة بعد شنّ الغزو البري «الذي سيقضي على قدرة (حماس) على الحكم».(...) إلا أنّه عندما تواجه دولة تهديداً من النوع الذي تشكّله «حماس» على إسرائيل، يجب عليها القضاء عليه، ثمّ الانتظار حتى اليوم التالي للتعامل مع مشاكل «اليوم التالي».
لن يفوّت أيّ بلد، في الوضع الذي تواجهه إسرائيل حالياً، أيّ فرصة، للقضاء على تهديد «لا يُحتمل»، مثل ذاك الذي تشكّله «حماس». نجاح الغزو البري ليس مضموناً. وحتى نجاحه لن يتم إلّا بتكاليف باهظة. لكن 7 تشرين الأول أظهر أن كلّ خيار آخر قد فشل، بالفعل، في توفير ولو قدرٍ ضئيل من الأمن لإسرائيل. في «عالم الحرب» الذي تمّ دفعها إليه، ليس لدى إسرائيل سوى جملة من الخيارات السيئة فقط: ومن بينها، يبدو الغزو البري الخيار الأقلّ سوءاً.

(جيمس جيفري - عن "فورين أفيرز"، بتصرّف)