لم يعد مفاجئاً التعاطي الإعلامي الغربي مع العدوان على غزّة، والتعتيم الذي تمارسه الوسائل الإعلامية الغربية على جرائم الاحتلال هناك كما في الضفّة الغربية والجنوب اللبناني وسوريا ومناطق أخرى، وتسخير نفسها لتبرير تلك الجرائم في حال انكشاف حجمها ووحشيتها بفضل الصفحات الافتراضية. هذا الإعلام أساساً لم يخفِ صهيونيّته يوماً، والفارق اليوم أنّ المزيد من الناس تعلّموا حقيقته، لا أكثر. لكن بسبب ذلك، لم يحدث أن كان هذا الإعلام بالوقاحة التي هو عليها اليوم. على رغم كلّ الحملات التي شُنّت ضدّه بدءاً من رصد انحيازه بالدلائل وصولاً إلى إعلان مقاطعته، إلا أنّه لم يبدّل في طرقه المضلّلة ومعاييره المزدوجة خدمةً لمصالح بلاده الاستعمارية، بل بات يظهر كأنّه يتحدّى الناس ولا يمانع القطع النهائي مع جزء ضخم من سكّان المعمورة ممّن يرفضون الاحتلال وجرائمه وأدواته العنصرية.
لطوف ـ البرازيل

مع أولى عمليّات «طوفان الأقصى»، راحت وسائل إعلام غربية تروّج لأكاذيب العدوّ وكلّها افتُضحت لاحقاً. وقبل مجزرة «مستشفى المعمداني»، نشرت أخباراً تدّعي وجود مراكز لـ«حماس» تحت المستشفيات، قبل أن تساند العدوّ بعد وقوع المجزرة بكلّ ما أوتيت من قوّة، فروّجت لسرديات عدّة متضاربة في محاولة لإبعاد الشبهة عنه قبل أن ترسو على كذبته بأنّ الهجوم سبّبه صاروخ فاشل من «حركة الجهاد الإسلامي». لم يتغيّر شيء بعد مرور أسابيع وسقوط آلاف جديدة من الشهداء والجرحى الأبرياء واستعار الحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، فكانت مجزرة مخيّم جباليا أول من أمس فرصة لتؤكّد تلك الوسائل عدم وجود سقف لوقاحتها وفجورها. فقد عمدت هذا الوسائل إلى استخدام اللهجة التي تُخفي الفاعل، وهي في كلّ الأحوال لا تنطبق إلّا عندما يكون الفاعل الكيان المحتلّ. هكذا، وصفت ما حصل بـ«الانفجار» كما فعلت إبّان مجزرة «المعمداني»، وهي بذلك أعطت المشكّكين بما حصل في مرفأ بيروت قبل أكثر من ثلاث سنوات مادّةً إضافية تؤجّج شكوكهم. هذا ما قامت به BBC وCNN مثلاً، فعنونت الأولى بالإنكليزية ما معناه «تقارير عن مقتل عشرات في انفجار في مخيّم للاجئين شمال غزّة»، وانهالت عليها التعليقات المستنكرة بعدما نشرت التقرير على صفحاتها على مواقع التواصل.
أمّا CNN فعنونت نسختها العربية: «عاجل | انفجار ضخم في مخيم جباليا للاجئين في غزّة يُسفر عن سقوط العديد من الضحايا». ونشرت رابط التقرير على صفحاتها أيضاً، ما استدعى بدوره التعليقات الغاضبة وخصوصاً على منصّة X. كثافة الرفض الجماهيري يبدو أنّها أزعجت القناة التي عادت وعلّقت تحت المنشور الأصلي: «الخبر أعلاه كان نتيجة المعلومات الأوّلية التي وصلتنا وتمّ التحديث - غزّة: سقوط ضحايا جرّاء قصف إسرائيلي على مخيّم جباليا للاجئين»، وأرفقت الرابط نفسه مجدّداً للتقرير مع عنوانه المجدّد. لكنّ ذلك لم يشفِ غليل الغاضبين الذين اعتبروا أنّ القناة تكذب حتّى في شأن ما تدّعي أنّه معلوماتها الأوّلية، وفوق ذلك لم يكن العنوان الجديد أفضل حالاً، فاستمرّت التعليقات على المنشور والتعليق معاً.
الكرزة على قالب الحلوى كانت من صنع صحيفة «دير شبيغل» الألمانية


الكرزة على قالب الحلوى كانت من صنع صحيفة «دير شبيغل» الألمانية. كتبت الأخيرة منشوراً بالألمانية تقول فيه ما معناه: «بحسب متحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، قيل إنّ الهجوم على مخيّم لاجئين كبير في غزّة من المفترض أنّه استهدف قائداً كبيراً في «حماس». وقالت وزارة الصحّة الفلسطينية إنّ 50 على الأقلّ قد ماتوا». اللغة لم تقف حاجزاً أمام الاعتراضات، فأتت من ألمان اعترضوا على تبرير ارتكاب المجازر بحقّ المدنيّين كما على محاولة الصحيفة تقليل الرقم، رغم أنّه كان من بين التعليقات بعض مغسولي الأدمغة ممّن يرون «حماس» منظّمة إرهابية و«إسرائيل» حمامة سلام، لكنّهم كانوا الأقلّية، ما يُظهر عدم تماهي الجمهور الغربي، والألماني بشكل خاصّ، مع سرديّات إعلامه بالحجم الذي كان سائداً في السابق.
حجّة وجود قيادي «حمساوي» لم تعجب حتّى المذيع البريطاني الشهير بيرس مورغان المعروف بانحيازه لمصلحة الكيان، ويبدو أنّه يحاول إظهار «موضوعيته» أخيراً بعد الانتقادات الكثيرة التي طالته بشكل شخصي ضمن البرنامج الذي يقدّمه ويحمل اسمه (Piers Morgan Uncensored)، ما يبدو أنّه أحرجه. إذ عكف مورغان في الأيّام الماضية على عدم تجاهل المنشورات الفاضحة لجرائم الكيان وعلّق عليها بنقد واضح للكيان. وقد نشر على X صورة للدمار بعد مجزرة جباليا، قائلاً: «قصف إسرائيل المتعمّد لأكبر مخيّم لاجئين في غزّة شنيع ولا يمكن تبريره، حتّى لو كان قائدٌ في «حماس» موجوداً هناك». واعتبر بعضهم أنّ المنشور مفيد في فضح جرائم الاحتلال لدى الجمهور الغربي، فيما رأى آخرون أنّ مورغان يعيد تدوير الحجّة التي يدّعي أنّها لا تقنعه، في محاولة لاسترضاء «الطرفَين».