بغداد | لا تزال دعوة زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، الحكومة والبرلمان، إلى إغلاق السفارة الأميركية في بغداد احتجاجاً على الدعم الأميركي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتفاعل في العراق، في انتظار تنفيذ الرجل تهديده باتّخاذ خطوات أخرى لم يُعلَن عنها، في حال لم يُستجب لطلبه، ولا سيما أن المقرّبين من التيار يتوقّعون تصعيداً «صدرياً» على مستوى الاحتجاجات الشعبية والاعتصامات أمام «المنطقة الخضراء» التي تضمّ مقرّ سفارة واشنطن والمقرّات الحكومية في وسط بغداد. وانقسمت مواقف الكتل السياسية حول تلك الدعوة، بين فريق داعم للحكومة يرى خطوة إغلاق السفارة في غير مصلحة العراق، وآخر عمد إلى جمع 32 توقيعاً نيابياً من قوى مختلفة داخل البرلمان تأييداً للخطوة ودفعاً في اتّجاه التصويت عليها. وإذ لم تردّ الحكومة على الطلب بشكل رسمي بعد، تتحدّث قيادات في «الإطار التنسيقي» عن وجود خطوط تواصل مع الصدر، للتفاهم حول ما يمكن القيام به، وسط إصرار الأخير على مطالبه.وتنشر منصات مقرّبة من «التيار الصدري» على مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل مكثّف، مقاطع فيديو خاصة تصوّر لحظات اقتحام أنصار الصدر «المنطقة الخضراء» عامَي 2018 و2022، تلميحاً إلى احتمال القيام باعتصامات جديدة قد يدعو إليها الصدر في وقت لاحق. وسُجّل تحشيد على مواقع التواصل، أمس، للخروج في تظاهرة شعبية أمام السفارة الأميركية للمطالبة بإغلاق السفارة وطرد السفيرة، آلينا رومانوسكي. وقاد هذا التحشيد ناشطٌ من حراك «تشرين» يدعى ضرغام المالكي، وهو من عائلة «صدرية» في الأساس، إلا أنه انشقّ عن التيار. وفي العموم، يؤيّد أنصار حراك «تشرين» الدعوة «الصدرية» نكاية بـ«الإطار التنسيقي» وحكومته المتردّدة في اتّخاذ مواقف تصعيدية ضدّ الأميركيين.
ويقول النائب السابق في «التيار الصدري»، فتاح الشيخ، لـ«الأخبار»، إن «دعوة القائد مقتدى الصدر إلى إغلاق السفارة الأميركية في بغداد، وضعت البرلمان والحكومة معاً في حرج، إذا لم نقُل إنها أظهرت المعدن الحقيقي لمن يقولون عن أنفسهم إنهم ضدّ الوجود الأميركي، ولا سيما أنهم شكّلوا الحكومة بمقاعد الخاسرين بعد انسحاب 73 نائباً من الكتلة الصدرية عام 2022، وبالنتيجة هي حكومة فاقدة للشرعية لأن الفائزين الحقيقيين هم خارج البرلمان». ويضيف أن هذه الدعوة «هي جزء مهمّ جداً من مقاومة الاحتلال، وهي جاءت لتحرير العراق من سفارة التجسّس والفساد العالمي والاحتلال بكلّ أشكاله، وهذه أسمى أنواع المقاومة السياسية». ويتابع الشيخ أنه «إذا لم تتمّ الاستجابة للدعوة، فسيتحمّلون مسؤولية وجود قوات الاحتلال وسفارتها في بغداد، كما أنهم سيتحمّلون مسؤولية ما يحدث في غزة وفلسطين وما يحدث من تخريب وتهجير وقتل»، معتبراً أن ذلك «سيكون وصمة عار عليهم ولعنة تلاحقهم عبر التاريخ جيلاً بعد جيل». ويلفت الشيخ إلى أن «هذه الدعوة التي وجّهها الصدر هي الجزء الثاني بعد التظاهرات التي شهدتها بغداد أثناء صلاة الجمعة في ساحة التحرير، كما وأحذّر من الجزء الثالث إزاء الإرهاب الاسرائيلي ضدّ غزة، إن لم تستجب الحكومة والبرلمان للدعوة، وهو ما سيعلن عنه السيد الصدر كما ورد في ثنايا البيان». وردّاً على الدعوات الموجّهة إليه للتراجع، يؤكد الشيخ أن «الصدر لن يتراجع عن هذه الدعوة التي تبدأ بإغلاق السفارة ثمّ تحرير القرار السياسي العراقي من جميع التدخّلات السياسية بشقَّيها الأميركي والإيراني، وهذا هو المطلوب من الشعب الذي يريد أن يتمتّع بسيادة وطنية كاملة ويحقّق الإرادة العراقية التي ستفرض نفسها قريباً».
ويضمّ نواب مستقلون داخل البرلمان، أصواتهم إلى الصدر، إذ يرى النائب المستقل، رائد المالكي، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «تعطيل الجلسات البرلمانية والصمت الواضح من قِبل الحكومة، لا يعبّران عن الشعور بالمسؤولية تجاه الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة». ويعتبر أن «اتهام الصدر بأنه أطلق دعوته لأغراض سياسية غير صحيح، فهذا ليس أسلوبه في التعامل مع مطلب له أسبابه ومبرّراته، ومنها الابتزاز والتهديد اللذان تقوم بهما الولايات المتحدة بحق العراق من خلال العقوبات كما عملت مع إيران». ويلفت المالكي إلى أن «دعوة الصدر بالتأكيد لها مهلة زمنية محدّدة، وهو قال بصراحة إن له موقفاً آخر سيعلنه، وربّما هذا الموقف يكون في شكل احتجاجات شعبية أو الطعن في شرعية الحكومة الحالية، على الأقلّ أمام الشعب العراقي».
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية، علي الموسوي، أن «الصدر يمتلك خيارات عديدة، ولا سيما أنه خارج العملية السياسية وليس لديه تمثيل مباشر داخل مجلس النواب، وهذا أحد أسباب قوته الجماهيرية الواسعة التي يمكنه تحريكها كيفما شاء في الشارع لإحراج الحكومة والبرلمان أكثر». ويعتقد أن «الحكومة والبرلمان وقعا في حيرة كبيرة، بسبب دعوة الصدر لإغلاق السفارة، لأن هناك مصالح سياسية كبيرة، فضلاً عن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين»، مذكّراً، في تصريح إلى «الأخبار»، بأن رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، عمل جاهداً خلال الفترة السابقة على إيجاد علاقة مستقرّة مع الإدارة الأميركية، وعليه، فمن الصعب أن يخطو في هذا الاتجاه». وبحسب الموسوي، فإن موقف الصدر الذي قال إنه «سيعلن عنه لاحقاً، فيه رسائل ودلالات كثيرة، ربما تعني العودة إلى السياسة أو معارضة الحكومة بشكل مباشر. وبالتالي، لا نستبعد تأليب الشارع من جديد واقتحام المنطقة الخضراء أو الاعتصام أمام السفارة الأميركية وإغلاقها».