رام الله | لا تزال الضفة الغربية المحتلّة قادرة على اجتراح المفاجآت وإيلام العدو، على رغم القبضة الأمنية والاستخبارية الشديدة المفروضة على مدنها وقراها، والتي تجلّى آخر فصول التمرّد عليها في قتل جندي إسرائيلي، وإصابة آخر، في عملية إطلاق نار قرب بيت ليد بين مدينتَي نابلس وجنين. وفي تفاصيل ما جرى، فقد أَطلق مقاومون النار من مركبة مسرعة، على مركبة مدنية يتخفّى فيها جنود الاحتلال، عند مفرق بيت ليد شرق طولكرم، ما أدى إلى انقلاب مركبتهم، ليُعلَن لاحقاً مقتل جندي وإصابة آخر بجروح خطيرة، فيما تمكّن منفّذو العملة من الانسحاب بسلام. وتكتسي كلّ عملية إطلاق نار في الضفة راهناً، أهميّة قصوى، خاصة إذا كانت من مسافة قريبة، وخلّفت قتلى وجرحى، وذلك نظراً إلى كثافة القيود الأمنية والحواجز ونقاط التفتيش، فضلاً عن عمليات التوغّل والاقتحام التي ينفّذها جيش الاحتلال.واستطاعت عملية بيت ليد، ضرب المنظومة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية في الصميم؛ إذ إن جيش الاحتلال الذي يعيش استنفاراً أمنيّاً غير مسبوق منذ بدء العدوان على غزة، واجه ضربة في منطقة لها أهمية إستراتيجية من الناحية العسكرية، ولا سيما أنها ترتبط بواحدة من أشهر العمليات الفدائية في الذاكرة النضالية، والتي نفّذها الاستشهاديان أنور سكر وصلاح شاكر، من قطاع غزة، عندما اقتحما محطّة انتظار للجنود، وفجّرا نفسيهما فيها، ما خلّف 19 قتيلاً و62 جريحاً. ومن هنا، سارع جيش العدو إلى الدفع بقواته إلى مكان الهجوم، واقتحم بلدات بيت ليد وسفارين وعنبتا شرق طولكرم، حيث نصب حواجز على مداخلها، إلى جانب نشر دوريات في الأراضي الزراعية، وإجراء عمليات تمشيط واسعة بحثاً عن منفّذي العملية، وسط اندلاع مواجهات عنيفة في البلدات والقرى التي تعرّضت لاقتحامات، وإغلاق الجيش حاجز عناب العسكري شرق طولكرم من الاتجاهَين، ومنعه المركبات من المرور.
وترافق استنفار قوات الاحتلال، مع احتشاد المستوطنين الذين انتشروا عند مدخل بيت ليد، وعلى طول الطريق الواصل بين مدينتَي نابلس وطولكرم، حيث اعتدوا على المواطنين، ورشقوا المركبات المارّة بالحجارة. كما شنّ هؤلاء هجوماً واسعاً على بلدة دير شرف بحماية جنود الاحتلال، وأحرقوا محالَّ تجارية ومركبات فيها، وهاجموا منازل على أطرافها، توازياً مع إضرامهم النار في أراضي قرية جيت، جنوب نابلس. كذلك، اندلعت مواجهات بين المواطنين وجيش الاحتلال قرب دوار دير شرف، وسط إطلاق كثيف للرصاص وقنابل الغاز السام، ما تسبّب بإصابة شاب بالرصاص و20 بالاختناق. أيضاً، شهدت البلدة اشتباكاً مسلّحاً بين مقاومين وقوات الاحتلال التي وفّرت الحماية للمستوطنين خلال هجومهم.
أوعز وزير الأمن، يوآف غالانت، الأربعاء الماضي، بتحويل أموال المقاصّة إلى السلطة


ويستغلّ المستوطنون حوادث إطلاق النار لممارسة المزيد من التحريض ضدّ الفلسطينيين، وشنّ هجمات دموية وقاتلة في الضفة، وسط استمرار عمليات تسليحهم من قِبل قادة الاحتلال، وعلى رأسهم وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، ورئيس «مجلس مستوطنات شمال الضفة»، يوسي داغان. وفي هذا السياق، استغلّ داغان العملية ليبدأ بالتحريض ضدّ الفلسطينيين، داعياً جيش الاحتلال إلى تنفيذ عملية اجتياح واسعة للضفة، على غرار ما يجري في قطاع غزة، و«استهداف جميع الفلسطينيين، وهذا يجب أن يكون من خلال التحرّك فوراً، وبمساعدة المستوطنين». ومن جهته، قال رئيس مجلس مستوطنات «غوش عتصيون»، شلومو نئمان، إنه «حان الوقت لقلب الطاولة على السلطة الفلسطينية أيضاً، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها ضمان حياة آمنة للإسرائيليين».
والجدير ذكره، هنا، أنه قبل العملية بدقائق، شنّ جيش العدو اقتحامات متزامنة في عدّة مدن في الضفة، حيث اقتحمت قواته مدينة قلقيلية شمال الضفة، ليندلع اشتباك مسلّح عنيف مع المقاومين، ومواجهات مع الشبان والفتية، أسفرت عن استشهاد الشاب قصي مزيون (24 عاماً). كذلك، اقتحمت قوات الاحتلال مدينتَي رام الله والبيرة، ونفّذت عمليات توغّل في عدة أحياء وسط مواجهات مع الشبان، ما أسفر عن استشهاد الطفل أيهم الشافعي (14 عاماً)، والشاب يزن شيحة (25 عاماً)، بينما أُعلن في مدينة نابلس عن استشهاد الطفل حمدان عمر حمدان (14 عاماً) متأثّراً بجروح أصيب بها سابقاً. وترافقت تلك الاقتحامات، التي سُجّلت فجر الخميس وامتدّت إلى مخيم الجلزون قرب رام الله، وحي الطور في مدينة نابلس، حيث اندلعت اشتباكات مسلّحة عنيفة استمرّت لساعات، مع حملة اعتقالات طاولت 65 فلسطينياً، بينهم سيدتان. وتوزّعت الاعتقالات على كل المحافظات، وصاحبتها عمليات تنكيل ممنهجة وضرب واعتداء في حقّ المعتقلين وعائلاتهم، فضلاً عن تخريب منازلهم. وبهذا، ترتفع حصيلة الاعتقالات، منذ السابع من أكتوبر، إلى نحو 1900.
وازدادت حدّة العدوان المتواصل على الضفة، منذ بدء الحرب على غزة، إلّا أن ذلك لم يؤثر على العلاقات مع السلطة الفلسطينية التي لم تتّخذ أيّ إجراءات أو قرارات من شأنها أن تغيّر الوضع القائم. وعلى رغم التحريض الممارَس عليها من قِبل بعض أطراف اليمين في الحكومة، إلا أن الأخيرة لا تزال تعمل على دعم سلطة رام الله وتقويتها، إذ أوعز وزير الأمن، يوآف غالانت، الأربعاء الماضي، بتحويل أموال المقاصّة إلى السلطة، قائلاً إن «إسرائيل معنية دائماً وبشكل خاص بالاستقرار (في الضفة الغربية)، لذلك، فمن المناسب تحويل الأموال بحيث تساعد قوات السلطة الفلسطينية التي تعمل وفقاً لاعتباراتها على منع الإرهاب». وفي هذا الإطار، نقلت قناة «مكان» العبرية، عن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قوله إن «العمّال الفلسطينيين بحاجة إلى تلقّي رواتبهم، لكي لا يتزعزع الوضع الأمني، وهذه هي توصية المؤسسة الأمنية»، وذلك بهدف منع مزيد من التوتّر في الضفة، لكنّ المقترح قوبل بمعارضة من «أعضاء المجلس الوزاري الأمني والسياسي المصغّر، ومن الكابينت للشؤون الاجتماعية».