غزة | بعد ثمانية وعشرين يوماً على بدء الحرب، يقف أكثر من مليونين وربع مليون إنسان على أبواب مجاعة كبرى، إذ شارفت مخازن البضائع التموينية على النفاد، فيما يتواصل إغلاق بوابة صلاح الدين المخصّصة لعبور البضائع مع الجانب المصري، ومعبر كرم أبو سالم، واللذَين كانت تَعبر عبرهما إلى القطاع، نحو 500 شاحنة يومياً، لتأمين حاجيات السكان من الأغذية والمتطلبات الصناعية والوقود. في وسط مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين، والذي يحوي أكبر تجمّع سكّاني في القطاع تضاعف عدّة مرّات بعد أن نزح إليه مئات الآلاف من أهالي الأحياء الطرفية (بيت حانون، بيت لاهيا، العامودي، الكرامة، السكة، صلاح الدين)، تشعر طوال ساعات النهار كأنك تعيش أهوال يوم القيامة. آلاف المواطنين يسيرون في حركة دائبة بحثاً عن الخبز والمواد التموينية. «كلّ المخابز خرجت عن الخدمة بعد أن قصفتها أو استهدفت محيطها الغارات العنيفة»، كما يقول المواطن أبو محمد، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «مع ساعات الصباح الأولى، نخرج بحثاً عن أيّ مخبز يمكن أن يفتح أبوابه لشراء ربطة خبز واحدة كنّا نظفر بها قبل أربعة أيام، لكننا اليوم نعود إلى عائلاتنا الممتدّة بأيادٍ فارغة. كما أنّ فرصة صناعة الخبز في المنازل صارت صعبة، بعد أن نفد غاز الطهي». في الشوارع التي لا يُوقف القصف المتواصل في كلّ الاتجاهات تنقّل المواطنين فيها، يمكنك أن تلاحظ الآلاف منهم وهم يحملون البطاريات، ويصطفّون طوابير بالمئات، ليحظوا بشحن لمدّة ساعة واحدة ممّن تتوافر لديهم طاقة شمسية. كذلك، ستُشاهد آلاف المواطنين وهم يتزاحمون على سيارات المياه العذبة، التي يخاطر بعضها للوصول إلى المخيم الذي شهد أكبر المجازر الجماعية في الأيام الثلاثة الماضية. يقول المواطن رائد الزرد، لـ«الأخبار»: «يقيم في المكان الذي اتّخذناه مأوى أكثر من 70 شخصاً في مساحة لا تتجاوز الـ90 متراً، نخوض في كلّ يوم معركة لتوفير المياه الخاصة بالنظافة، والتي نحصل عليها من خرطوم من عيادة وكالة الغوث التي تتوسّط المخيم. أمّا المهمّة الأصعب، فهي الحصول على المياه النقية. نعيش عدّة أيام على ليتر واحد من المياه».في حيّ النصر جنوب شمال غزة، حيث جالت «الأخبار»، تبدو الأوضاع أحسن بقليل منها في مخيم جباليا. صحيح أنّ معظم المحال التجارية مدمّرة أو مغلقة، ولكن ثمّة عدة محلات تفتح أبوابها للمواطنين. «العدس والجبنة المعلبة هما المنتجان الأكثر استهلاكاً (...) استهلك المواطنون 85% من الكمية المتوافرة»، يقول صاحب أحد المحلات التجارية الكبرى، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار»: «تدرّج الأهالي في استهلاك المواد التموينية، بدءاً بالأساسية مثل البقوليات والطحين والمعلبات. اليوم، لا تتوافر في محلنا التجاري سوى كميات كبيرة من الكماليات، مثل الحليب المكثّف والقهوة ومواد التنظيف».
في مستشفى العيون المحاذي لحي الشيخ رضوان شمال غزة، حيث يتكدّس عشرات الآلاف من المواطنين في العراء، يحاول الأهالي صناعة الخبز، عبر إشعال النار بالأوراق وجذوع الأشجار التي اقتلعوها من حديقة المستشفى. تقول الحاجة أم محمود، وهي تجلس قبالة قطعة من حديد الصاج أوقدت تحتها النار: «أغلقت كافة المخابز، ووجدنا أنفسنا في مواجهة الجوع، ولم نجد سوى هذه الطريقة البدائية. نخبز 20 رغيفاً على عدد أفراد العائلة. نأكل رغيفاً واحداً في اليوم كله».
ووفقاً لبيانات أوردها رئيس تحرير صحيفة «الاقتصادية»، محمد أبو جياب، فإن أكثر من 90% من احتياطي المواد التموينية الأساسية والثانوية في قطاع غزة، نفد تماماً، ولا سيما بعدما دمّرت الطائرات الحربية الإسرائيلية مئات المحلات التجارية ومخازن البضائع ومخازن «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين». ويحذر أبو جياب، في حديث إلى «الأخبار»، من أنه «تفصلنا عن المجاعة الكبرى عدّة أيام. سيأكل الناس أوراق الشجر حرفياً. المساعدات التي تدخل إلى القطاع شكلية، ولا توفّر فعليّاً أيّ متطلبات حقيقية للسكان». وفي الاتجاه نفسه، تحذر المؤسّسات الإغاثية الدولية من أن غزة ستدخل في أيام قليلة في خضمّ مجاعة كبرى.